رواية قريتي .. ماهر مهران - Bundlezy

رواية قريتي .. ماهر مهران

بأقلامها الملونة الجميلة وخطوطها الرشيقة انتهت المعلمةُ المحبوبةُ خيالٌ من رسم قائمةِ الأشياء الجذّابة في السّبورةِ البيضاء ثم استدارت قليلًا، وطلبت من تلاميذها وتلميذاتها أن ينظروا جيدًا في تلك الأشياء التي قامت برسمها في السبورة، وأن يهتموا بأثمانها المدوّنة بالقرب منها.
نظر الجميعُ في إعجابٍ شديدٍ في السّبورة التي تحوّلت على يد المعلمة خيال خلال دقائق قليلة إلى لوحة بديعة، وشاهدوا رسوماتٍ عديدةً؛ رأوا علبة حمراء مملوءة بأصابع البطاطس الصفراء المحمّرة وتحتها كتبت المعلمة 14 جنيهًا، وبجوارها علبة مياه غازية زرقاء مثل سماء شتوية تخرج منها مصّاصةٌ بلاستيكية بيضاء مثل سحابة طولية كتبت أسفلها 12 جنيهًا، وشاهدوا فوقها ساندوتشًا شهيًا وكبيرًا تتوسطه اللحومُ المشوية والزبدة الصفراء تسيل عليها وقد كتبت أسفله 23 جنيهًا، وبجانبه قطعة كعك بنّية اللون تعلوها حبّات الزبيب الصفراء المكرمشة وقطع الفراولة الحمراء وقطع الأناناس الصفراء وقد كتبت على يسارها 7 جنيهات، وفوقها رسمت شطيرة بيتزا قمحية اللون تعلوها قطعُ اللحم والطّماطم وبجوارها كتبت 20 جنيهًا، وعلى يمينها رسمت علبة آيس كريم حمراء تعلوها الكريمةُ البيضاء وهي تذوب مختلطةً بالمانجة الصفراء وبجوارها كتبت 9 جنيهاتٍ، وشاهدوا كذلك جيتارًا بلون دم الغزال كتبت بجانبه 250 جنيهًا، وشاهدوا درَّاجة ألوانها زرقاء وحمراء وصفراء بجانبها كتبت 350 جنيهًا، وشاهدوا كرة قدم بجانبها كتبت 50 جنيهًا، وساعة بيضاء لها إطار أزرق جميل أسفلها كتبت 100جنيهٍ، وكتابًا أبيض اللون تتوسّط غلافه رسمة جميلة للملكة حتشبسوت وهي في العشرين من عمرها، أعلى الرسمة رمز المركز القومي لثقافة الطفل التعبيري وعلى يمين الرسمة كُتِبَ باللون الأزرق “حورس الأنثى” مونودراما لليافعين، وأسفله كتبت 10 جنيهاتٍ.
استدارت المعلمةُ، وعندما تأكَّدت من أن جميع الطلبة والطالبات قد شاهدوا الرسومات والأرقام جيدًا ابتسمت، وقالت لهم: تخيّل عزيزي الطالب عزيزتي الطالبة أنك تملك 500جنيهٍ، ماذا ستشتري بها ــ شريطة ألا تتجاوز هذا المبلغ المحدد سلفًا ــ؟
في اندفاعٍ يقول رافعٌ: أنا سآخذ الدّراجة والكرة والساعة والساندوتش وعلبة المشروب يا معلمتي الرَّائعة.
فتقول له المعلمةُ في استفهامٍ: لابأس يا رافع، ولكن كم ستدفع من المال ثمنًا لكل هذه الأشياء؟
يقول رافع في اندفاع كعادته: سأدفع 450 جنيهًا، وتقول المعلمة لرافع في ابتسام حنون إنه أخطأ لأن ثمن الدراجة والكرة والساعة والساندوتش وعلبة المشروب بلغ 535 جنيهًا ثم تربت على كتفه، وتقول له إن ثمن كل هذه الأشياء التي اختارها 535 جنيهًا، وهذا المبلغ أكبر من الـ 500 جنيه التي معه وتجري له عملية الجمع وعملية المقارنة في السبورة بشكل شيق وبسيط، ثم تكمل كلامها قائلة: لهذا فلن تتمكّن من الشراء ثمَّ تبتسم له، وتشكره، وتطلب منه الجلوس في مكانه والتركيز كي يعرف إجابة اللغز.
ترجع المعلمةُ خيال خطوتين للخلف، تقول لكل تلاميذ وتلميذات الفصل في استفهام: مَنْ يشتري منكم من هذه القائمة الجذّابة شريطة ألا يتجاوز الـ 500 جنيهٍ؟
تقول غادة بصوتٍ هامسٍ للمعلمة إنها ستشتري علبة البطاطس وشطيرة البيتزا والجيتار والآيس كريم ثم تضيف مسرعةً، وتقول إن هذه الأشياء التي اختارتها تساوي 293 جنيهًا وهي أقل من الـ 500جنيهٍ التي معها، ولكي يتأكدوا تجري لهم عملية الجمع ثم عملية المقارنة بين العددين.
تبتسم المعلمةُ في سعادة، وتشيدُ بذكاء غادة، وتطلبُ من الجميع أن يصفّقوا لها ثم تصمت لحظة بعدها تقول لغادة في استفهام: بعد شراء هذه الأشياء التي وقع اختيارك عليها كم يتبقّي معكِ من المال يا غادة؟ تمسك غادة قلمها الرصاص، وتكتب في كراستها، وتقول في ثقة: 319جنيهًا يا معلمتي الحبيبة.
تحرّك المعلمةُ رأسها يمينًا فيسارًا، وتقول في امتعاضٍ ممزوج بالقليل من الأسى إن إجابة غادة خاطئةٌ، وإن الإجابة الصحيحة هي 207، وتمسك قلمها الأحمر، وتشرح بطريقة يسيرة وشيقة عملية الطرح التي نتج عنها 207 جنيهًا ثم تستدير، وترى معطي في أخر الفصل وهو يرفع إصبعه، ويقول لها: أنا، أنا يا معلمتي، تقول المعلمة لمعطي: تفضل يا معطي، تفضل يا تلميذي النجيب، يقول معطي في ثقةٍ إنه سوف يشتري الكتاب بـ 10 جنيهاتٍ، ويتبقّى معه 490 جنيهًا، فتقول له المعلمة: رائعٌ يا معطي، ولكن ألا تشتري شيئًا أخر من هذه القائمة الجذَّابة؟ فيقول لها معطي: بلى، لن أشتري من هذه القائمة أي شيء أخر يا معلمتي، فتقول له: لماذا يا معطي؟ فيبتسم معطي، ويقول لمعلمته في استفهامٍ: لماذا اخترت الكتاب أم لماذا لن أشتري من هذه القائمة؟ تبتسم المعلمة وتقول له: لماذا الاثنان يا معطي؟
يحرّك معطي رأسه من أعلى إلى أسفل والعكس ثم يقول لمعلمته إنه سوف يشتري الكتاب لأنه يحقّق له المتعة والسعادة، ويمنحه المعارف والإجابات التي يبحثُ عنها، ويكشف له الغامض، والأهم انه متى يطلبه يجده بجانبه مثل الأخ والصديق الوفي.
تبتسم المعلمة في إعجاب لمعطي، وتؤكّد صحة كلامه ثم تطلب منه أن يجيب عن السؤال الثاني، فيقول معطي إنه سوف يشتري فأسًا جديدة لأبيه ثمنها 120 جنيهًا لأنّ فأس أبيه ثلمت وبردت، وسوف يشتري أيضًا جلبابًا لأخيه جميل ثمنه 80جنيهًا وفستانًا لأخته جميلة ثمنه 80 جنيهًا وثوبًا لأمه سعره 120 جنيهًا وزوج حمام كي يبيض ويفقس وينتج حمامًا أخر ثمنه 40 جنيهًا وإوزة ثمنها 50 جنيهًا.
ينال كلام معطي إعجاب المعلمة به وتعاطفها معه، فتصفّق له في حرارة، وتقول في إشادةٍ إن إجابته صحيحة وإنها معجبة باختياراته التي تبدو أنها ضرورية وأكثر أهمية له ولأبيه ولأمه ولأخوته ثم تمسك حقيبتها الجلدية الأنيقة، وتُخرِج منها كتابًا جديدًا وخمسة جنيهات ورقية، تُقدّم الكتاب والخمسة جنيهات لمعطي وهي تقول له: رائعٌ، أنت رائعٌ يا معطي، أنت مدهشٌ يا معطي، تفضّل جائزتك، تفضّل يا معطي، تفضّل.
يفرح معطي كثيرًا، ينظر في غلاف الكتاب الذي أهدته له معلمته المحبوبة، يرى الغلاف ملونًا بألوان جميلة، تتوسطه الملكةً الفرعونية المحبوبة حتشبسوت وهي في كامل زينتها وشبابها وقوتها وجمالها؛ لونها قمحي، رقبتها طويلةٌ، عيناها كحيلتان، ترتدي تاجًا مخروطيًا يكبر كلما اتجه لأعلى، التاجُ يجمع بين اللون الأبيض رمز الجنوب واللون الأحمر رمز الشمال، يتصدّر التاج بروزٌ ذهبي للكوبرا المقدسة، ويعلوه جعارين فيروزيةٌ وذبابات ذهبيةٌ، ويحيط به حزامٌ ذهبي تزيّنه العديدُ من الأحجار الكريمة، فوق التاج كُتِب بخطٍ بديعٍ ” حورس الأنثى” ، يشد الغلاف معطي، وينجذب نحوه، ويود البدء في تصفحه، ويتشوّق لمعرفة مَنْ تكون هذه الملكة الشجاعة؟ وما حكايتها؟ وماذا سيتعلم من قصتها لكن الجرس يرن، ويعلن نهاية اليوم الدّراسي.
إلى بيتهم البسيط الواقع بين الجبل الشرقي الشاهق والترعة الكبيرة التي تفصل بين القرية والنيل يعود معطي سعيدًا وهو يمسكُ الكتاب والخمسة جنيهات، يقولُ لكل مَنْ يقابله وهو يوشك يطير من الفرح أن معلمته الرائعة الأستاذة خيال منحته خمسة جنيهاتٍ وكتابًا جديدًا لأنه حلّ مسألة لم يستطع غيره حلها، يبارك الناس لهذا الولد الطيب، ويتمنون له مستقبلًا رائعًا، ويدعون الله أن يوفّقه ثم يخطو مسرعًا وهو يأكل الأرض أكلًا حتى يقترب من بيتهم البسيط، وهناك يلمح أمه وسط جاراتها وأقاربها وهن متشحاتٌ بالسواد مثل غيمةٍ سوداءَ ثقيلةٍ، يسرعُ معطي أكثر، يراهن وهن يصرخن ويبكين ويلطمن الخدود في حزنٍ شديدٍ، فيجري نحو أمه الغالية، ويقول لها في استفهام: لماذا تبكين يا أمي؟ ماذا حدث يا أمّي؟
تقول له أمه في حرقةٍ وهي تضرب خدّيها بيديها بقسوةٍ شديدةٍ إن الناس في القرية تقول: إنَّ الأرضَ في الكولة السمراء انشقَّت، وبلعت أباه، فيقول معطي في استفهامٍ وهو لايصدّق مايسمع: م م م م ماذا يا أمي؟ م م م م ماذا تقولين ؟ يزداد تمايلُ أم معطي يمينًا فيسارًا، ويزداد حزنها وبكاؤها، وتقول له في تأكيدٍ إن الناس تقول إن الأرض ــ ليلة البارحة في الكولة السمراء ــ قد انشقَّت، وبلعت أباك يا ولدي.
في ارتباكٍ تهتز شفةُ معطي السفلى مثل جملٍ غاضب، ويظهر الشحوبُ على وجهه الأسمر الجميل، ويقول في استفهامٍ وهو لايصدّق مايسمع: كيف؟ كيف يا أمّي الحبيبة؟ كيف حدث هذا؟ كيف؟!
اقرأ المزيد:

ظهرت المقالة رواية قريتي .. ماهر مهران أولاً على أحداث العرب.

About admin