ينشر موقع المقال نيوز اختبار “عمر العقل الحقيقي” الذي اجتاح محركات البحث مؤخرًا، باحثًا عن الإجابة الأهم: كم يبلغ عمر عقلك الفعلي، لا الزمني؟ اختبارٌ بسيط يعتمد على سلسلة من الأسئلة النفسية والسلوكية التي تمنحك في النهاية رقمًا يعبّر عن نضجك الذهني وحيويتك الإدراكية. كل إجابة صحيحة تُمنح ثلاث نقاط، وتُقسَّم النتائج إلى أربع مراحل: من صفر إلى عشر نقاط عقل طفولي بين العاشرة والخامسة عشرة، ومن إحدى عشرة إلى عشرين عقل مراهق متحمّس بين السادسة عشرة والخامسة والعشرين، ومن إحدى وعشرين إلى خمسٍ وعشرين عقل ناضج متوازن بين السادسة والعشرين والخامسة والثلاثين، أما من ستٍ وعشرين إلى ثلاثين نقطة فيحمل عقلًا حكيمًا تجاوز السادسة والثلاثين. اختبارٌ بسيط في ظاهره، لكنه يفتح الباب لسؤالٍ أعمق: ما الذي يجعل عقولنا تتقدم أو تتراجع؟
اختبار عمر العقل
في إحدى قاعات جامعة هارفارد، كان عالم أعصاب يتأمل شاشةً تُظهر خريطةً مضيئة من الخلايا العصبية تتوهج وتنطفئ كأنها نجوم في ليلٍ حيّ، قبل أن يهمس لنفسه: “العقل البشري ليس آلةً تُشغَّل، بل حديقة تُرعى أو تذبل.” هذه الحديقة، التي تُدير أفكارنا وأحلامنا وقراراتنا، تبدأ في فقدان حيويتها بعد الثلاثين، حين يفقد الدماغ نحو خمسة في المئة من حجمه كل عقدٍ من الزمن. لكنّ الأمل لا يغيب، فالعلم الحديث يؤكد أن الحفاظ على لياقة الدماغ ممكنٌ بنسبة تصل إلى ثمانين في المئة إذا ما التزم الإنسان بعاداتٍ يوميةٍ صحيحة، كما أثبتت دراسات “مايو كلينك” التي ربطت النشاط الذهني المنتظم بتحسين الذاكرة والوظائف الإدراكية.
الحفاظ على الدماغ لا يختلف كثيرًا عن تدريب العضلات؛ فكما تحتاج الأجساد إلى حركةٍ، تحتاج العقول إلى تحفيزٍ. الخطوة الأولى هي النشاط البدني المنتظم، إذ تُظهر الأبحاث أن المشي نصف ساعة يوميًا يزيد تدفق الدم إلى الدماغ ويُحسّن المزاج والذاكرة ويُقاوم الاكتئاب، وفق ما أشار إليه تقرير “الجزيرة نت”. يلي ذلك التمرين الذهني؛ فالألعاب الذهنية، والمطالعة المنتظمة، والعزف، وحتى الحِرف اليدوية، جميعها تُنشّط مناطق مختلفة من الدماغ وتُحفّز نمو خلايا عصبية جديدة، مما يخفض خطر الإصابة بالخرف بنسبة تصل إلى 35%، بحسب دراسة صادرة عن “DW”.
أما الغذاء، فهو الوقود الصامت للعقل. الأحماض الدهنية “أوميغا–3” الموجودة في الأسماك والمكسرات، والفيتامينات B1 وB6 وB12، تُعدّ أسلحة فعالة لتقوية الذاكرة وإبطاء التدهور المعرفي، وفق ما ورد في تقرير “بانكوك هوسبيتال”. النوم الكافي بدوره يُعيد ترتيب ملفات الدماغ كل ليلة، حيث تُظهر الأبحاث أن سبع إلى تسع ساعات نومٍ تُساهم في تنظيف الدماغ من السموم وتحسين التركيز. وعلى الضفة الأخرى، فإن التفاعل الاجتماعي لا يقل أهمية، إذ تُظهر الإحصاءات أن التواصل المنتظم مع الأصدقاء والعائلة يُقلل خطر الخرف الذي يُصيب أكثر من مليون شخص سنويًا بسبب العزلة والوحدة.
لكنّ الطريق إلى الشيخوخة العقلية مفروشٌ بسمومٍ يوميةٍ صغيرة. التدخين والكحول من أبرز أعداء الخلايا العصبية، إذ يضاعفان خطر الخرف بنسبة 50%، وفق “بوابة متدربي التدريبات العقلية”. أما الأنظمة الغذائية الغنية بالسكريات والدهون المشبعة والمعجنات، فتُلهب خلايا الدماغ وتُضعف الذاكرة، كما يحذر خبراء “الشرق الأوسط”. الأمراض المزمنة غير المضبوطة كالسكري وارتفاع الضغط تُسرّع تآكل الخلايا العصبية بنسبة 30%، بحسب “كونتيننتال هوسبيتالز”. ثم يأتي القاتلان الصامتان: التوتر والوحدة. فحين يرتفع هرمون الكورتيزول، يتعرض الحصين — مركز الذاكرة في الدماغ — للضرر، ما يؤدي تدريجيًا إلى الاكتئاب الذي يُصيب اليوم أكثر من 264 مليون شخص حول العالم.
في نهاية المطاف، يظل العقل البشري ميراثًا نزرعه كل يوم بأفعالنا الصغيرة. الحركة، الغذاء المتزن، التواصل، والراحة ليست رفاهيةً بل طوق نجاةٍ ضد التراجع الصامت. فالعقل، كما قال أحد علماء الأعصاب، “لا يتقدّم في العمر.. بل يتعلّم باستمرار، والعادات هي أستاذه الأول.” اختر اليوم أن تُروّي حديقة عقلك قبل أن يكسوها الصمت، فالعمر الحقيقي لا يُقاس بالسنوات، بل بمدى ما يزال في داخلك من فضولٍ ودهشة.
التدوينة اختبار العقل الحقيقي.. رابط اختبار العمر العقلي docs ظهرت أولاً على المقال نيوز.
