في خطوة وُصفت بأنها امتداد لمسار المملكة في ترسيخ المرجعية الدينية الوسطية، أصدر خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود، وبناءً على ما رفعه ولي العهد رئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان، أمرًا ملكيًا بتعيين الشيخ الدكتور صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان مفتيًا عامًا للمملكة العربية السعودية، ورئيسًا لهيئة كبار العلماء، ورئيسًا عامًا للرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء بمرتبة وزير، وذلك ابتداءً من 22 أكتوبر 2025.
يُعد الشيخ صالح الفوزان واحدًا من أبرز العلماء المعاصرين في العالم الإسلامي، وركنًا من أركان المدرسة الفقهية السلفية الأثرية، حيث عُرف بعمقه العلمي واعتداله في الطرح ودقته في الفتوى، فضلًا عن تأثيره البالغ في ميدان الدعوة والتعليم الشرعي منذ أكثر من ستة عقود. وُلد الفوزان في 28 سبتمبر عام 1935 الموافق 1 رجب 1354هـ، في بلدة الشماسية بمنطقة القصيم، وسط أسرة متواضعة من عشيرة آل شماس من قبيلة الدواسر. فقد والده وهو صغير، فنشأ في كنف والدته التي حرصت على تعليمه القرآن الكريم ومبادئ القراءة والكتابة على يد إمام مسجد البلدة الشيخ حمود بن سليمان التلال.
بدأت مسيرته التعليمية في مدرسة الحكومة بالشماسية عام 1369هـ، ثم أكمل دراسته الابتدائية في المدرسة الفيصلية ببريدة عام 1371هـ، وعُيّن بعد تخرجه مدرسًا في المرحلة الابتدائية، قبل أن يلتحق بالمعهد العلمي في بريدة عام 1373هـ ويتخرج فيه عام 1377هـ. وواصل طريقه العلمي في كلية الشريعة بالرياض، ليتخرج منها عام 1381هـ، ثم حصل على درجة الماجستير في الفقه برسالة بعنوان التحقيقات المرضية في المباحث الفرضية، تلتها الدكتوراه في الفقه عن رسالته الشهيرة أحكام الأطعمة في الشريعة الإسلامية.
تأثر الشيخ الفوزان في بداياته العلمية بشيخه الإمام عبد العزيز بن باز الذي تتلمذ على يديه في كلية الشريعة، فكان من أكثر من أثروا في تكوينه الفقهي ومنهجه العلمي، خاصة في دقّة الفتوى، وتحري الصواب، والالتزام بالأدلة الشرعية من القرآن والسنة. ومع انتقاله إلى دار الإفتاء، عمل مباشرة تحت إشراف الشيخ ابن باز، ما أتاح له تجربة ثرية في ممارسة الإفتاء وتحمّل مسؤولياته الكبرى.
تنوّعت المناصب التي شغلها الشيخ صالح الفوزان بين التدريس والإدارة والإفتاء، فدرّس في المعهد العلمي بالرياض، ثم في كلية الشريعة، ثم في قسم الدراسات العليا بكلية أصول الدين، قبل أن يُعين مديرًا للمعهد العالي للقضاء، ليعود بعد انتهاء مدته إلى التدريس فيه مجددًا. لاحقًا عُين عضوًا في اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، وعضوًا في هيئة كبار العلماء، والمجمع الفقهي بمكة المكرمة التابع لرابطة العالم الإسلامي، كما شارك في لجنة الإشراف على الدعاة في الحج.
وعلى المستوى الدعوي، يُعد الفوزان من أبرز الأصوات العلمية في البرامج الدينية السعودية، وأشهرها برنامج “نور على الدرب” الإذاعي الذي يشارك فيه منذ عقود، مجيبًا على أسئلة المستفتين من مختلف أنحاء العالم الإسلامي. كما أنه إمام وخطيب جامع الأمير متعب بن عبد العزيز آل سعود في مدينة الرياض، وله حضور بارز في المجلات العلمية والندوات الشرعية، فضلًا عن إشرافه على عشرات الرسائل العلمية في مرحلتي الماجستير والدكتوراه، وتتلمذ على يديه عدد كبير من العلماء وطلبة العلم البارزين.
ومن مؤلفاته المعروفة التي أصبحت مراجع فقهية وعقائدية معتمدة: “الملخص الفقهي”، و”الملخص في شرح كتاب التوحيد”، و”شرح مسائل الجاهلية” لمحمد بن عبد الوهاب، إضافة إلى عشرات الكتب والرسائل والبحوث التي تناولت قضايا الفقه والعقيدة والتربية الإسلامية.
بتعيينه مفتيًا عامًا للمملكة، يعود الشيخ صالح الفوزان إلى واجهة المشهد الديني في السعودية في مرحلة دقيقة تتطلب علمًا راسخًا وحكمةً متزنة، وهو الذي عُرف بثباته على المنهج الوسطي، ومواقفه الواضحة في الذود عن العقيدة الإسلامية، مع سعة أفقه في التعامل مع قضايا العصر بروح منضبطة تجمع بين النص الشرعي ومتطلبات الواقع.
التدوينة الشيخ صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان مفتي المملكة العربية السعودية الجديد ويكيبيديا ظهرت أولاً على المقال نيوز.
