في مشهد يعكس انزياحًا لافتًا في استخدام منصات التواصل الاجتماعي بالجزائر، أثارت موجة من الفيديوهات التي نشرها مؤثرون محليون حول خلافاتهم العائلية حالة من الاستياء والنقاش المجتمعي، وسط تحذيرات من خطورة هذا التوجه على النسيج الأسري والقيم الاجتماعية، خاصة في ظل التأثير الكبير لهذه المنصات على فئة الشباب والمراهقين.
قضايا شخصية تتحول إلى محتوى
من بين أبرز الوقائع التي أثارت الجدل، ظهور طليقة الطباخ والمؤثر الجزائري الشهير “هشام كوك” — المعروفة بلقب “أم محمد” — في فيديو بث مباشر، تحدثت فيه عن معاناتها في التواصل معه لمساعدتها في علاج ابنهما المريض. وأكدت أنها حاولت الاتصال به عدة مرات دون جدوى، مشيرة إلى أنها تقطن في منطقة نائية وظروفها صعبة، فيما يعاني طفلها البالغ من العمر 12 سنة من الفقر حتى في احتياجاته الأساسية.
وفي واقعة أخرى، شغلت قصة المؤثرة المعروفة بـ”كاراتي”، التي يتابعها نصف مليون شخص على “تيك توك”، الرأي العام الجزائري بعد أن ظهرت في سلسلة فيديوهات تروي فيها تعرضها للاعتداء الجسدي من شقيقها بتحريض من والدتها، على حد قولها. ولم يتأخر الرد، حيث نشر أفراد من عائلتها فيديوهات مضادة تتهمها بالسرقة وتشكك في سلوكها.
ولم يكن المؤثر “عمي رحيم” بعيدًا عن هذا السياق، إذ نشر هو الآخر فيديو أكد فيه أن ابنه اقتحم منزله وأتلف أدوات التصوير الخاصة به، بدعوى أن المحتوى الذي ينشره يتسبب في الإساءة لسمعة العائلة، ما أثار استغراب المتابعين ودفع كثيرين للتشكيك في دوافع نشر مثل هذه الأمور الخاصة.
حيلة لجذب المشاهدات؟
يرى الإعلامي والمُتابع لقضايا منصات التواصل الاجتماعي يحيى طبيش أن هذه التصرفات تعكس سعي بعض المؤثرين الممنهج لرفع نسبة المشاهدة على حساب الخصوصية والأخلاق. ويقول في تصريح لـ”العربية.نت”: “بعضهم يصطنعون خلافات مفتعلة أو ينسجون سيناريوهات شخصية هدفها الأساسي هو جلب التفاعل وزيادة الشهرة، حتى لو كان الثمن هو تشويه صورة أسرهم أو المساس بحرمة حياتهم الخاصة”.
ويضيف طبيش أن هذا النوع من المحتوى لم يعد استثناءً، بل بدأ يتكرر بشكل مقلق، ما يستوجب وقفة حقيقية أمام تمدد الظاهرة، خاصة في ظل ضعف الرقابة الأخلاقية على ما يُنشر.
المراهقون في مرمى التأثير السلبي
أما المختص الاجتماعي عبد الحفيظ صندوقي، فقد حذر من التداعيات النفسية والاجتماعية لمثل هذا المحتوى، مؤكدًا أن الفئة الأكثر تضررًا منه هم الأطفال والمراهقون. وقال في حديثه لنفس المصدر: “بدلًا من الاطلاع على محتوى إيجابي يكرس قيم الترابط الأسري والنماذج الناجحة، يُصدم هؤلاء بصراعات أسرية علنية، تتضمن تراشقًا وشتائم وحتى عنفًا جسديًا، ما قد يرسخ سلوكيات هدامة في أذهانهم”.
ودعا صندوقي إلى إطلاق حملات توعية تستهدف المؤثرين أنفسهم، لتوضيح مخاطر هذا النوع من المحتوى، بالإضافة إلى مطالبة الأولياء بضرورة مراقبة ما يتابعه أبناؤهم، تفاديًا لانعكاسات قد تضر بمستقبل النسيج الاجتماعي الجزائري.
دعوات لضبط الفضاء الرقمي
في ظل تزايد هذه الظاهرة، بدأت ترتفع أصوات تدعو إلى تقنين ما ينشر على منصات التواصل الاجتماعي، وضبط محتوى المؤثرين الذين تحول بعضهم إلى مراكز تأثير واسعة النطاق، دون وجود ضوابط أخلاقية أو قانونية صارمة تحكم ما يعرضونه، خاصة عندما يتعلق الأمر بالخلافات الأسرية التي يجب أن تبقى في إطارها الطبيعي، بعيدًا عن أعين ملايين المتابعين.
ظهرت المقالة تصاعد الجدل في الجزائر بعد لجوء مؤثرين لكشف صراعاتهم العائلية عبر “تيك توك” أولاً على أحداث العرب.