خرجت زوجة الفنان المغربي الراحل عبد القادر مطاع عن صمتها بعد أيام من رحيله، لتكشف في حديث مؤثر لإحدى القنوات المغربية عن معاناة الفنان الكبير خلال سنواته الأخيرة، وصموده في وجه المرض الذي أنهك جسده دون أن يطفئ ابتسامته ولا محبته للحياة.
قالت أرملته بصوت مفعم بالحزن إن الأسرة كانت متشبثة بأمل الشفاء حتى اللحظات الأخيرة، قبل أن يشتد عليه المرض مساء اليوم السابق لوفاته. وأوضحت أن معاناته الصحية بدأت منذ عام 2019، حين أصيب بنزيف داخلي وتدهورت حالته تدريجيًا حتى فقد بصره، ما اضطره إلى الابتعاد عن الأضواء والمشاركة في الأعمال الفنية التي أحبها طوال حياته.
وأضافت: “منذ ذلك الوقت، كان يفضل الجلوس في البيت، لم يعد يخرج كثيرًا ولا يزور الناس كما كان يفعل، لكنه ظل محافظًا على روح الدعابة والكرم، فبيتنا كان دائمًا عامرًا بالأصدقاء والزوار، بشهادة كل من عرفوه.”
ورغم قساوة المرض، لم يكن الفنان الراحل وحيدًا، إذ ذكرت زوجته أن عددًا من أصدقائه الفنانين المقربين ظلوا على تواصل دائم معه، يزورونه ويؤنسونه في أيامه الأخيرة، مؤكدة أن ما خفف عن الأسرة هو الرعاية الكبيرة التي حظي بها من الملك محمد السادس. وقالت: “جلالته كان هو السند، وفر له كل ما يحتاجه من علاج وعناية، والله يجازيه خيرًا ويطيل عمره.”
وفي ختام حديثها، وجهت أرملة مطاع رسالة مؤثرة إلى الجمهور المغربي، قالت فيها:
“كان عبد القادر يحب الشعب المغربي كثيرًا، واليوم ما نطلب إلا الدعاء له بالرحمة، لأن هذا النهار اللي رحل فيه، كان يتمنى أن يتذكره الناس بحبهم ودعواتهم.”
برحيل عبد القادر مطاع، يفقد المغرب أحد أبرز وجوهه الفنية التي ساهمت في بناء الدراما المغربية، بصوته المميز وحضوره الصادق وشخصياته التي حفرت اسمها في ذاكرة المشاهدين، ليبقى صوته ووجهه شاهدين على جيل صنع ملامح الفن المغربي الأصيل.

وُلد الفنان المغربي الكبير عبد القادر مطاع سنة 1940 في حي درب السلطان الشعبي بمدينة الدار البيضاء، ليشق من هناك رحلة استثنائية امتدت عقودًا من الزمن، جعلته أحد أعمدة الفن المغربي وأبرز رموزه في المسرح والسينما والتلفزيون. نشأ مطاع في كنف أسرة فقيرة فقدت معيلها مبكرًا، فاضطرت والدته للعمل طباخة لدى عائلة فرنسية لتأمين قوت يومها، بينما عاش هو طفولة قاسية حملت في طياتها صراع البقاء وكفاح الحاجة. لم يكتب له أن يكمل تعليمه سوى حتى السنة الثانية الابتدائية، إذ وجد نفسه مضطرًا إلى خوض معترك الحياة مبكرًا عبر مهن متعددة؛ من النجارة وإصلاح الدراجات إلى العمل في مطحنة للملح وبيع الخضر ومساعدة النساء في نسج الزرابي. لكن وسط تلك القسوة، تفتحت في داخله شرارة الفن الأولى حين التحق بالكشافة والمخيمات الصيفية، حيث بدأ يشارك في عروض صغيرة وسكيتشات كشفية أظهرت موهبته المبكرة في الأداء.
انطلقت مسيرته الفنية الحقيقية في أوائل الستينيات عندما شارك في مسرحية «الصحافة المزورة» إلى جانب الفنان الراحل محمد الخلفي، وهي التجربة التي كانت بمثابة بوابته الأولى نحو الجمهور. سرعان ما التحق بفرقة المعمورة للمسرح الوطني، التي كانت حينها المدرسة الكبرى التي تخرّج منها كبار الممثلين المغاربة، وهناك صقل موهبته وتمرّس على الأداء المسرحي الرفيع، ليغدو لاحقًا واحدًا من أبرز وجوه الخشبة المغربية.
تميّز عبد القادر مطاع بتنوّع أدواره وغناها، إذ جمع بين التراجيديا والكوميديا، وبين المسرح والإذاعة والتلفزيون والسينما. ترك بصمات خالدة في الذاكرة الفنية المغربية عبر أعمال راسخة مثل «أمجاد محمد الثالث» و**«سيدي عبد الرحمان المجدوب»**، إلى جانب تألقه في مسلسل «خمسة وخميس» حيث جسّد شخصية الطاهر بلفرياط التي علقت في وجدان الجمهور. كما شارك في الفيلم السينمائي الشهير «وشمة» (1970) للمخرج حميد بناني، الذي حصد جوائز دولية واعتُبر من العلامات الفارقة في تاريخ السينما المغربية.
إلى جانب حضوره على الخشبة والشاشة، كان مطاع صوتًا مألوفًا لدى المستمعين عبر الإذاعة، إذ انضم إلى الفرقة الوطنية للتمثيل الإذاعي وشارك في عشرات المسلسلات والبرامج الدرامية، بل وكان أول صوت يسمعه الجمهور عند انطلاق إذاعة البحر الأبيض المتوسط من باريس سنة 1980. ورغم غزارة عطائه وتنوّع تجربته، ظلّ يعبّر بتواضع عن شعوره بأنه لم يقدّم بعد كل ما كان يحلم به، مبرّرًا ذلك بضيق الفرص وغياب الدعم الكافي للفنان المغربي في فترات طويلة من مسيرته.
عبد القادر مطاع ليس مجرد ممثل، بل هو جزء من الذاكرة الثقافية للمغرب، ورمز لجيلٍ حمل الفن رسالة لا مهنة، وواجه صعوبات الحياة بالإبداع والإصرار. من أزقة درب السلطان إلى أضواء المسارح وشاشات السينما، خطّ مطاع مسيرته بجهده وحده، ليبقى اسمه علامة مضيئة في تاريخ الفن المغربي الحديث.
التدوينة زوجة عبد القادر مطاع تخرج من صمتها وتكشف تفاصيل خطيرة عن مرضه ظهرت أولاً على المقال نيوز.