في الأيام الماضية، تقدّمت حركة حماس بقبول لاقتراح هدنة لمدة 60 يومًا تُقرَّ من خلالها تبادل أسرى، يتضمن إطلاق نحو نصف الرهائن الإسرائيليين المحتجزين في غزة مقابل تسهيلات لسكان القطاع. هذا التحرك الدبلوماسي، الذي يشكل استجابة لجهود الوساطة المصرية والقطرية، وجد قبولا رسميا من حماس بينما لم يصدر بعد رد معلن من إسرائيل.
إزاء هذا الموقف، أبدى نتنياهو تشدّدًا لافتًا، مؤكدًا عدم قبوله لأي اتفاق جزئي. أصرّ على شروط صارمة تشمل إخلاء غزة من السلاح وكافة التزامات تتعلق بالأمن والسيطرة.
التمرد الشعبي وتراجع الحافز العسكري
ما يعكس الانقلاب داخل الداخل الإسرائيلي بشكل لافت، هو حجم الاحتجاجات الجماهيرية التي اجتاحت الشارع مؤخراً. فقد شهدت البلاد أكبر مظاهرات منذ بدء النزاع، حيث خرج عشرات الآلاف من المتظاهرين بشكل يومي مطالبين بوقف الحرب والإفراج عن الرهائن.
في موازاة ذلك، تبيّن أن معنويات جنود الاحتياط بدأت بالتراجع، حيث عبّر 36% منهم عن إحباطهم من استمرار الحرب بلا رؤية واضحة أو أهداف استراتيجية محددة. هذا الاستياء تطوّر إلى رفض بعضهم العودة لخدمة الاحتياط، احتجاجًا على ما اعتبروه “سياسة مدفوعة بالحسابات السياسية وليس الوطنية”.
استراتيجية نتنياهو: أدوات سياسية أم أمنية؟
يلاحظ كثير من المحللين أن نتنياهو يستخدم ملف الحرب وحماية الحدود كوسيلة لتعزيز سلطته واحتواء التصدعات داخل حزبه اليميني وتحالفه الشعبي، خاصة بعد إصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرة توقيف بحقه.
الواقعية تشير إلى أنه، رغم تكتيكاته البطيئة في قبول أي اتفاق، قد يكون مضطرا للدخول في مفاوضات إنقاذية في حال استمر الضغط الداخلي والخارجي، فالرفض المستمر قد يؤدي إلى تصعيد عالمي وداخلي وخسارة غير محسوبة
الشعب بين صراع القتل والتفاوض
رؤية الشارع الإسرائيلي اليوم تعبّر عن إشارات واضحة: الرغبة في إنهاء الحرب مقابل إنقاذ الأرواح والرهائن، وليس التفوق العسكري المجاني. الاحتجاجات والعصيان المدني والعمل النقابي والطلابي وحشود المحتجين أمام مؤسسات الحكم، كلها رسائل صريحة بأن دعم الحرب بدأ يتآكل أمام موجة استياء متصاعدة.
في الوقت ذاته، يبدو أن توسيع العمليات العسكرية في غزة وتقديم طرح تهجير محتمل للسكان، تزيد من حدّة القلق الداخلي وتشكل عبئًا أخلاقيًا وسياسيًا أمام استمرار خطة نتنياهو الحالية.
في الختام
يمكن وصف وضع نتنياهو الراهن بأنه محاصر من كل الجوانب: داخليًا بسبب الإحباط الشعبي وتراجع الدعم العسكري، وخارجيًا أمام موجة من الإدانات والعزلة الدولية. أي تمسك بعقدة الحرب والسيطرة سيعيد إنتاج صورة زعيم لا يسمع شعبه، فتضيع رهائن بلا مبرر ويستمر النزيف المدني في غزة.
أي تنازل مرحلي في هذه اللحظة سيُقرأ كانتصار سياسي للشعب وإخفاق استراتيجي للقيادة السياسية التي وجدت نفسها محتاجة أكثر من أي وقت مضى لإظهار مرونة وتبني حل دبلوماسي قبل أن تنفد قيمته السياسية والدولية. نتنياهو أمام مفترق: إما قبول تفاويض حكيمة تحفظ ماء وجهه، أو مواجهة انفجار داخلي لن يُطفئه لا صمت ولا حرب.
ظهرت المقالة عبدالله عبدالقوي يكتب: تحوّل سياسي واتفاقات متعثرة أولاً على أحداث العرب.