بعد عقدين من الغياب خلف القضبان، وثّقت عدسات الكاميرا لحظة عاطفية نادرة، حين احتضنت سارة الخنيزان زوجها حميدان التركي فور وصوله إلى المملكة العربية السعودية، بعد سنوات طويلة من الاعتقال في الولايات المتحدة الأميركية. لم يكن المشهد مجرد لقاء بين زوجين، بل تتويجًا لقصة صبرٍ وولاء نُسجت خيوطها بدموع الانتظار وآهات الأمل.
وفي خضم هذا التفاعل الشعبي الواسع، أعاد الناشطون تداول قصيدة سارة الخنيزان الشهيرة، التي كتبتها لزوجها أثناء فترة اعتقاله، فارتفعت مجددًا على منصات التواصل، محفوفة بالتعاطف والإعجاب، بوصفها مرآة لمعاناة طويلة كتبتها امرأة آمنت ببراءة زوجها، ووهبت سنواتها للدعاء والصبر.
وفاء لا يصدأ.. من السجن إلى الحريّة
سارة الخنيزان، الزوجة الوفية والكاتبة الحزينة، كانت قد اعتُقلت رفقة زوجها حميدان التركي عام 2004 في ولاية كولورادو، بتهمة مخالفة قوانين الهجرة، ثم لاحقًا في 2005 بتهم اعتداء على خادمة إندونيسية، وهي التهم التي طالما نفتها الأسرة وأكدت أنها ملفقة، وفق روايات عديدة تداولها الإعلام حينها.
فرحة #الشعب_السعودي لعودة #حميدان_التركي عايشنا قصّته مذ بدايتها؛الحمدلله الذي ثبّته وثبّت عائلته بالصبر طلباً لثوابه سبحانه؛قصّة فيها العبر والدروس،رجلٌ ماخان دينه ولاوطنه،صابر وواثق بالله،وعائلة صابرة محتسبة،ودولة مع مواطنيها الشرفاء قلباً وقالباً،وزوجة مخلصة #سارة_الخنيزان pic.twitter.com/8nvvU92y2Q
— د.حسين العبداللطيف (@h12r43) August 8, 2025
وكان الزوجان قد انتقلا إلى الولايات المتحدة عام 1995، بعد حصول حميدان التركي على بعثة دراسية لاستكمال تخصصه في الصوتيات من جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية. وفي ظل الغربة والظروف القاسية، وُلدت معاناة مضاعفة للزوجة والأبناء الذين وُصفوا في القصيدة بـ”اليتامى”، بعد أن تفرّق شمل الأسرة خلف الأسوار.
قصيدة سارة الخنيزان زوجة حميدان التركي (كلمات + فيديو) كاملة
كلمات:
نـاشـدتُ أهـل البر والإيثــارِ
نـاشـدتُ أمـة سيـد الأبـرارِ
ناشدتُ من عُرفوا بصـدقِ عزيمـةٍ
قـومي رؤوس المـجدِ و الإكبـارِ
أنا بنتُ نجـدٍ بـورِكت وتهـللتْ
من أهـلها ذي السـادة الأخيـارِ
زوجـي ابن نجـدٍ في رُباها قد رَبى
شهمـاً طهوراً من ثرى الأطهــارِ
قد كبلونا بالحديد وحسبهم
كف الدعاء يجود ليل نهار
قد رن في أذني بكاء احبتي
خمسا من الأطفال في الاسحار
باتو بـلا أم وغــيب والــد
وغدو كأيتام فيال العار
كشفو عن الوجه الحيي غطاءه
وظهرت في الإعلام دون ستار
ورميت بالجرف الذي لم أقترف
وكذاك زوجي زج دون حوار
قد اطلق الفجار افكا فاحشا
أواه من ذا آخذ بالثار
يرمون عرضا طاهرا بهرائهم
حقد تبدا دونما أستار
الله علام بصدق براءته
فيما أبنت وعالم أسراري
مثل الشهامة كان زوجي محسنا
في قومه من خيرة الأخيار
قد الجم الهم الكئيب مناطقي
وارتج قلبي وانطوى مشواري
باب الإله فقد طرقت بابه
بمغيبي أمل بفك أساري
ثم التجأت إلى بني قومي
ففي قلبي من الآمال كالأمطار
هيا اسمعو صوتا بريئا قد ثوى
في السجن بين براثن الكفار
أرمو سهام الليل بالله الذي
ينجيه فهو مقدر الاقدار
لاحبتي اهدي دماء مدامعي
فدمي على الوجنات دمع جاري
فاحبتي عرفو بصدق أخوتي
واحبتي هم نصرة الاحرار
يا كل من نطق الشهادة مسلما
بالله شد العزم في اصراري
أمراءنا وزراءنا كبراءنا
الخطب اعظم من أنين هزاري
أشكو إليكم حر قتي وتوجدي
خوفي والآم ورعب دثاري
مارد مظلوم بساحة عدلكم
أو صاحب عزة بقرار
بنيان أمتنا يشد قوامه
ياصرخة المظلوم صوتك عاري
يوم سيشرق بالبراءة سانحا
وسترجع الأطيار للأوكار
يوما سترجع ياأبا تركي لنا
ويرد كيد كائد ببوار
ثم الصلاة على النبي وآله
خير البرية سيد الأخيار
فيديو:
قصيدة سارة.. وجع امرأة وقوة أمّة
في قصيدة تقطر شجنًا، عبّرت سارة عن آلامها بدقة شعورية غزيرة، مناشدة أهل الإيمان، والكرم، والعدالة، أن يقفوا إلى جانب مظلومية زوجها:
“نـاشـدتُ أهـل البر والإيثــارِ
نـاشـدتُ أمـة سيـد الأبـرارِ
زوجـي ابن نجـدٍ في رُباها قد رَبى
شهمـاً طهوراً من ثرى الأطهــارِ”
وتصوّر الأبيات تفاصيل الفقد والغربة، ودموع الأبناء، وحرقة الاغتراب، مطالبةً بمدّ يد العون لأجل رجل لم يُمنح – حسب تعبيرها – فرصة الدفاع عن نفسه:
“أرمو سهام الليل بالله الذي
ينجيه فهو مقدر الأقدار”
تفاعل واسع.. وإشادة بصوت الوفاء
أثارت القصيدة تفاعلًا كبيرًا، وانهالت التعليقات التي وصفت سارة بـ”رمز الوفاء العربي”، وبأن كلماتها تمثل نموذجًا نادرًا في زمن المتغيرات، حيث ظلت متمسكة ببراءة زوجها، متشبثة بالأمل في عدالة السماء، رغم أن أنظمة الأرض لم تنصفه، بحسب روايات العائلة.
وفي ختام قصيدتها، أطلقت سارة وعدًا لا ينكسر: أن يعود حميدان، وتعود “الأطيار إلى أوكارها”، في مشهد يبدو اليوم وقد تحقق بعد صبر سنين.
“يوما سترجع ياأبا تركي لنا
ويرد كيد كائد ببوار”
وبين الكلمات، والصور، والدموع التي وثّقت لحظة العناق بعد الفراق، جسّدت سارة الخنيزان قصة لا تكتب كل يوم، لكنها تروى، وتبقى، وتُحفر في الذاكرة الوطنية، كدرس في الإيمان والوفاء.
ظهرت المقالة قصيدة سارة الخنيزان زوجة حميدان التركي (كلمات + فيديو) كاملة أولاً على أحداث العرب.