ما هي ديانة كوماري.. فتيات يتحولن إلى آلهة في نيبال حتى لحظة البلوغ – Bundlezy

ما هي ديانة كوماري.. فتيات يتحولن إلى آلهة في نيبال حتى لحظة البلوغ

في زوايا ضيقة من العاصمة النيبالية كاتماندو، يتوارى تقليد فريد من نوعه عن أعين العالم، لكنه حاضر بكل طقوسه وسط مجتمع يراه مقدسًا بلا جدال. إنها قصة “ديانة كوماري”.. فتيات صغيرات لا يُنظر إليهن كأطفال، بل يُعاملن كإلهات حقيقيات تمشي على الأرض، حتى يفاجئهن جسدهن بسن البلوغ، فيعودن فجأة إلى عالم البشر.

ما هي ديانة كوماري

بين الأسطورة والواقع.. من هن الكوماري؟

في نيبال، حيث يتداخل الدين بالأسطورة والتقاليد بالمقدس، تسير طقوس غريبة عمرها مئات السنين، يختار فيها المجتمع فتاة صغيرة من طائفة “النيور” البوذية، ويمنحها مكانة إلهية، باعتبارها التجسيد الحي للإلهة “تالجو” أو “دورغا” وفق المعتقد الهندوسي.

هذه الفتاة، التي لا يتجاوز عمرها بضع سنوات، تُنتزع من حضن أسرتها، وتُقيم داخل معبد مقدس في قلب المدينة، لا يسمح لها بالخروج سوى مرات معدودة في السنة، ولا يجوز أن تطأ قدماها الأرض، ولا أن تبتسم، ولا أن تبكي، أو تُظهر أي تعبير، لأن ذلك يُفسّر كعلامة على غضب الآلهة أو قرب نهاية فترة ألوهيتها.

32 معيارًا صارمًا.. شروط الألوهية تبدأ من الرموش وتنتهي بالصوت

اختيار “الكوماري” ليس أمرًا عبثيًا، بل يخضع لقائمة طويلة من المعايير الصارمة وغير المألوفة. هناك 32 شرطًا في الجمال والشخصية، يجب أن تتحقق في الطفلة المرشحة، منها أن تكون رموشها كعيني البقرة، وأفخاذها كالغزال، وشعرها أسود ناعم، وبشرتها صافية كالمرمر، وصوتها يشبه صوت البط، ويُشترط ألا تظهر عليها أي علامات خوف أو تردد.

يُقال إن الطفلة تمر باختبارات قاسية، منها مكوثها بمفردها في غرفة مظلمة مليئة برؤوس وجلود حيوانات مذبوحة، لاختبار مدى قدرتها على الثبات ورباطة الجأش.

ديانة كوماري

الحياة داخل المعبد.. أقدام لا تمشي، وفم لا يتكلم

داخل المعبد، تعيش “الكوماري” حياة محاطة بالتقديس، لكنها أيضًا غريبة ومجردة من أبسط مفاهيم الطفولة. لا يُسمح لها بالركض، أو اللعب، أو الاختلاط مع أطفال آخرين. لا تتحدث مع أحد إلا في حالات نادرة، ويُحملها الرجال على الأكتاف إن أرادت الانتقال من مكان إلى آخر، خوفًا من أن تلمس قدماها الأرض، وهو ما يعد كسرًا للمقدس.

ترتدي الطفلة ثيابًا حمراء دائمًا، ويُرسم على جبهتها ما يُعرف بـ”العين الثالثة”، كرمز لقوتها الروحية. وفي المناسبات السنوية، تخرج الكوماري في موكب مهيب، يطوف بها الشارع، فيما ينحني الرجال والنساء أمامها طلبًا للبركة والشفاء.

النهاية الحتمية.. أول دم يغير كل شيء

لا تدوم الألوهية للأبد، فبمجرد أن تبدأ الكوماري في الدخول بمرحلة البلوغ وتظهر أول علامات الطمث، تسقط عنها القداسة فورًا. يتم تنظيم احتفال رسمي يُعلن فيه “تقاعد” الكوماري، وتُعاد إلى منزل عائلتها، أو إلى حياة لم تعرفها من قبل.

المفارقة الصادمة أن هؤلاء الفتيات يجدن صعوبة كبيرة في التكيّف مع العالم الخارجي. فبعد سنوات من العزلة، لا يعرفن كيف يختلطن بالناس، أو يذهبن للمدرسة، بل إن بعضهن لا يعرفن كيف يمشين، نتيجة حرمانهن من الحركة الطبيعية لسنوات طويلة.

قصة مقدسة أم انتهاك لبراءة الطفولة؟

رغم الطابع الديني والروحي الذي يُغلف هذه العادة، إلا أن الأصوات الناقدة بدأت تتصاعد في السنوات الأخيرة، خصوصًا من منظمات حقوقية تطالب بإعادة النظر في هذا التقليد، ووصفته بأنه يحرِم الطفلات من أبسط حقوقهن في التعليم والحياة الاجتماعية والنفسية السليمة.

لكن السلطات النيبالية تدافع عن التقليد بشراسة، وتعتبره جزءًا من الهوية الوطنية والدينية للبلاد، مؤكدة أن الكوماري لا تُجبر على الاختيار، وأنها تحظى برعاية خاصة وتُمنح تعويضًا ماليًا كبيرًا عند “تقاعدها”.

مزيج من الإيمان والأسطورة

طقوس “الكوماري” تكشف جانبًا من العلاقة الغريبة بين المعتقد والأنثى في الثقافة النيبالية، حيث تُقدس الطفلة حتى تصل سن البلوغ، ثم تُعاد إلى خانة البشر العاديين، وكأن قداستها مرهونة بعذريتها وحدها.

ويبقى السؤال مفتوحًا: هل هي مكانة روحية أم عبودية حديثة مغلفة بالدين؟ في كل الأحوال، تبقى “الكوماري” واحدة من أغرب الطقوس الدينية في العالم، وأشبه بأسطورة تمشي على قدمين.. لكنها لا تلامس الأرض.

ظهرت المقالة ما هي ديانة كوماري.. فتيات يتحولن إلى آلهة في نيبال حتى لحظة البلوغ أولاً على أحداث العرب.

About admin