كشفت تقارير عسكرية صينية عن تحوّل استراتيجي بارز في توجهات التسليح المصرية، تمثل في التراجع عن إبرام صفقة شراء مقاتلات صينية متطورة من طراز J-10C، مقابل التوجه نحو تعزيز ترسانة الطائرات المسيّرة، في خطوة وُصفت بأنها مزيج من الواقعية السياسية والحسابات الاقتصادية الدقيقة.
صفقة كبرى تتبدّد قبل لحظات الحسم
كانت القوات الجوية المصرية تضع المقاتلة J-10C – التي لفتت الأنظار بأدائها في النزاع الهندي-الباكستاني – على رأس قائمة أولوياتها، وبلغت المفاوضات مع بكين مراحل متقدمة، وسط توقعات بإبرام عقد لشراء نحو 40 طائرة. غير أن المؤشرات انقلبت في اللحظات الأخيرة، لتتجه البوصلة نحو خيار أقل كلفة وأخف سياسيًا، تاركة الأوساط العسكرية في حالة ترقب وتساؤل.
كلفة مالية تفوق السقف المتاح
تشير المصادر إلى أن الميزانية الدفاعية المصرية، التي تبلغ نحو 4.5 مليارات دولار سنويًا، لم تكن قادرة على استيعاب فاتورة صفقة بحجم الـJ-10C، والتي تقترب قيمتها الإجمالية من 8 مليارات دولار، دون احتساب منظومات التسليح المرافقة، وطائرات الإنذار المبكر، والدفاعات الجوية اللازمة لضمان تكامل المنظومة. كما أن التشغيل والصيانة على المدى البعيد كان سيضيف أعباءً مالية ضخمة، في وقت تسعى فيه القاهرة لترشيد النفقات دون الإخلال بفاعلية قوتها الجوية.
تحديات لوجستية وأساطيل متباينة
تعقيد آخر برز أمام هذه الصفقة يتمثل في التنوع الكبير لأسطول المقاتلات المصري، الذي يضم طائرات أمريكية F-16، وروسية ميغ-29، وفرنسية رافال، ولكل منها شبكات صيانة وذخائر وبنية دعم منفصلة. إدخال طراز صيني جديد كان سيعني توسيع هذه الفجوة اللوجستية، وفرض الحاجة لتدريب أطقم جديدة وتأسيس خطوط إمداد خاصة، وهو ما يزيد الضغط على المنظومة الفنية والإدارية.
البعد السياسي.. ما بين واشنطن وتل أبيب
إلى جانب الحسابات المالية والفنية، لعب العامل السياسي دورًا حاسمًا. فالقاهرة تعتمد بشكل كبير على الدعم الأمريكي في صيانة وتطوير أسطولها من F-16، وأي تقارب عسكري مع الصين في مجال الطائرات المقاتلة كان قد يثير تحفظ واشنطن، وربما ينعكس على شراكاتها العسكرية مع مصر. كما أن ملف التفوق الجوي الإسرائيلي ظل حاضرًا في المعادلة، إلى جانب استدعاء تجربة صفقة الـسو-35 الروسية التي أُلغيت عام 2020، وما صاحبها من خسائر مالية ودروس سياسية.
خيار المسيّرات.. “الصقر” WJ-700 في المقدمة
أمام هذه المعطيات، اتجهت مصر نحو خيار الطائرات المسيّرة، لتستقر على الطراز الصيني WJ-700، المعروف بـ”الصقر”. هذه الطائرة قادرة على التحليق حتى ارتفاع 18 ألف متر، وتجاوز معظم أنظمة الدفاع الجوي، مع تنفيذ مهام استطلاع وهجمات دقيقة على أهداف برية وبحرية. اللافت أن كلفة شراء 10 طائرات منها تبلغ نحو 400 مليون دولار فقط – أي ما يعادل ثمن مقاتلة رافال واحدة تقريبًا – مع انخفاض كبير في تكاليف التشغيل والصيانة، ودون التعقيدات السياسية التي تحيط بصفقات المقاتلات المتقدمة.
تعزيز المنظومة الدفاعية
ولم تقتصر الصفقة على المسيّرات، إذ تشير التقارير إلى أن القاهرة أبرمت أيضًا اتفاقًا لاقتناء أنظمة الدفاع الجوي الصينية HQ-9B، لدمجها مع قدرات الـWJ-700، ما يمنح الجيش مزيجًا من الدفاع الجوي الفعال والقدرة الهجومية الدقيقة. هذه المقاربة تجسد مبدأ “الكفاءة العالية مقابل الكلفة المنخفضة”، وتتيح الحفاظ على الردع الاستراتيجي دون استنزاف الموارد أو الدخول في مواجهات سياسية.
انعكاسات إقليمية
يرى محللون أن هذه الخطوة قد تُعيد رسم ملامح ميزان القوى في الشرق الأوسط، حيث تتسارع برامج تطوير واستخدام الطائرات المسيّرة في كل من إسرائيل وتركيا وإيران. دخول الـWJ-700 إلى الخدمة المصرية سيعزز مكانة القاهرة في سباق التسلح الإقليمي، في وقت تشهد فيه الحروب الجوية تحوّلًا تدريجيًا من صراع المقاتلات المأهولة إلى مواجهة تقودها منصات غير مأهولة، فاتحةً الباب أمام فصل جديد في تاريخ القوة العسكرية بالمنطقة.
ظهرت المقالة من مقاتلات الـJ-10C إلى “الصقر” WJ-700.. القاهرة تغيّر وجهتها في سباق التسلح أولاً على أحداث العرب.