لم يكن اسم الفاتح عبد الله إدريس، المعروف بلقب “أبو لُولو”، مطروحًا في المشهد الدارفوري أو السوداني قبل اندلاع الحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في منتصف أبريل 2023. فقد كان مقاتلًا مغمورًا لا يُعرف له دور بارز، يتنقّل بين المواقع الطرفية دون حضورٍ يُذكر، قبل أن يصعد فجأةً إلى واجهة الأحداث، متحوّلًا إلى واحد من أكثر الأسماء تداولًا وإثارةً للجدل في السودان.
من مقاتلٍ مغمور إلى رمزٍ للرعب
مع تصاعد المعارك في إقليم دارفور، بدأت تتناقل الأوساط المحلية اسمه كلقبٍ يُطلق على مقاتلٍ شرس خرج من رحم المجموعات المسلحة في المنطقة. وسرعان ما تحوّل ظهوره في مقاطع مصوّرة إلى مادةٍ مثيرةٍ للغضب الشعبي، حيث أظهرته التسجيلات — التي لم يُتح التأكد من صحتها — يتحدث بلهجةٍ آمرة إلى أسرى ومدنيين، قبل أن يطلق النار عليهم بدمٍ بارد، في مشاهد صادمة انتشرت كالنار في الهشيم.
أبرز هذه المقاطع ظهر في أغسطس الماضي، حين تداول ناشطون فيديو يُظهر رجلاً يُعتقد أنه أبو لولو وهو يُعدم رجلًا أعزل في مدينة الفاشر، ما فجّر غضبًا واسعًا على المنصات السودانية. وردّت حينها قيادة قوات الدعم السريع بإعلان تشكيل لجنة تحقيق، متعهدةً بمحاسبة المتورطين إن ثبت انتماؤهم إلى صفوفها.
غير أن الرجل عاد للظهور لاحقًا في تسجيلاتٍ جديدة، بعضها من داخل مدينة الفاشر بعد سيطرة الدعم السريع عليها، ظهر خلالها وهو ينفّذ عمليات إعدامٍ ميدانية بحق أسرى ومدنيين. كما أظهرت مقاطع أخرى — لم تُتح أيضاً مراجعتها من مصادر مستقلة — أبو لولو محاطًا بمسلحين يحتفون به وسط جثثٍ متناثرة على الأرض، ما جعله يُجسّد صورة العنف المنفلت في المشهد السوداني.
إنكار وتناقض ميداني
في بثٍ مباشر على مواقع التواصل، نفى أبو لولو انتماءه رسميًا إلى قوات الدعم السريع، مؤكدًا أنه يقاتل “دفاعًا عن دارفور”، إلا أن ظهوره المتكرر بالزي العسكري وإلى جوار قادة ميدانيين تابعين للدعم السريع عزّز الشكوك حول صلته الفعلية بالقوة. وظهر تناقض واضح بين محاولات قيادات الدعم السريع النأي بنفسها عنه، وبين وجوده العملي في مناطق نفوذها.
فقد نشر فارس النور، المعيّن حاكمًا للخرطوم في ما يُعرف بـ”حكومة التأسيس” المدعومة من الدعم السريع، منشورًا قال فيه إن “يد العدالة ستطال كل من أجرم في حق أهلنا في الفاشر”، مرفقًا صورةً لـ”أبو لولو”، في إشارةٍ ضمنية إلى تحميله مسؤولية ما جرى.
عنفٌ له جذور
يرى مراقبون أن صعود شخصيات مثل “أبو لولو” ليس ظاهرة فردية، بل نتاج لانفلاتٍ ميدانيٍّ طويل في مناطق النزاع. ويقول الصحافي السوداني علاء الدين محمود إن هذه الأسماء — مثل “أبو لولو” و”عمر شارون” و”يأجوج ومأجوج” — تعكس إعجابًا بثقافة القتل وارتباطًا رمزيًا بالعنف، مضيفًا أن “ما يفعله هؤلاء هو امتداد لنهج دموي متجذّر في حروب دارفور والخرطوم والجزيرة”.
قلق دولي وتحقيقات مطلوبة
في المقابل، عبّرت منظمات حقوقية دولية عن قلقها من تنامي نفوذ القادة الميدانيين المنفلتين، مطالبةً بتحقيقاتٍ مستقلة لتحديد المسؤوليات الفردية عن الانتهاكات. وعلّق رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي، جيم ريتش، عبر منصة إكس قائلًا: “الفظائع التي وقعت في الفاشر لم تكن صدفة، بل كانت جزءًا من خطة قوات الدعم السريع منذ البداية.”
خلفية الحرب والسياق العام
تأتي هذه التطورات في ظل صراع دموي مستمر منذ أبريل 2023 بين الجيش السوداني بقيادة الفريق عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي)، ما تسبب في انهيار مؤسسات الدولة وتفاقم الأزمة الإنسانية إلى مستويات غير مسبوقة. وكانت مدينة الفاشر آخر معقلٍ رئيسي للجيش في إقليم دارفور قبل أن تخضع لحصارٍ خانق انتهى بسيطرة الدعم السريع عليها، وسط اتهامات بارتكاب مجازر وانتهاكات واسعة ضد المدنيين.
أبو لولو… رمز مرحلة
هكذا، تحوّل الفاتح عبد الله إدريس “أبو لولو” من مقاتل مغمور إلى رمزٍ لوجهٍ قاتم من وجوه الحرب السودانية — وجهٍ تختلط فيه الفوضى بالانتقام، والبطولة المزعومة بالعنف العاري. ورغم نفيه الانتماء لأي فصيل، يبقى حضوره في مقاطع الإعدام الميداني شاهدًا على واحدة من أكثر الصفحات دمويةً في الصراع الدائر، وعلى حالة الانهيار التام لسلطة القانون في بلدٍ يقف على حافة الانقسام والهاوية.
التدوينة من هو ابو لولو ويكيبيديا “الفاشر” || الدعم السريع في السودان ظهرت أولاً على المقال نيوز.

