في قصور الرياض العتيقة، حيث تُحْفَظُ ذكريات الملوك كجواهر في صندوق مغلق، أغلقت الشيخة نوف بنت سعود بن عبد العزيز آل سعود صفحتها الأخيرة بهدوء يليق بأميرة عاشت بعيدًا عن صخب السلطة، قريبةً من دفء الأسرة. أعلن الديوان الملكي السعودي اليوم الخميس وفاتها، في بيان قصير لكنه ثقيل بالعواطف، مُذَكِّرًا الجميع بأن حتى في أبراج الملوك، يأتي الموتُ كضيف هادئ يُنْهِيُ فصولًا من الصبر والكرم. كانت نوف، ابنة الملك سعود بن عبد العزيز – الملك الثاني للمملكة –، رمزًا للجيل الذي شهد تأسيس الدولة الحديثة، وترحل اليوم عن عمر يناهز التسعين عامًا، تاركةً وراءها إرثًا من الحنان الأمومي يمتد إلى أحفادها وأحفاد أحفادها.
ولدت الأميرة نوف في أوائل الثلاثينيات من القرن الماضي، في قلب الرياض، حيث كانت القصور الملكية تُبْنَىْ على أنقاض الرمال، ووالدها الملك سعود يُصْنِفُ المملكة كحديثة. نشأت في كنف أسرة آل سعود الكبيرة، التي تضم أكثر من 45 أخًا وأختًا، وسط أجواء تجمع بين التراث البدوي والحداثة الملكية. لم تكن نوف شخصية عامة بارزة مثل بعض أخواتها، بل كانت الدعامة الخفية للعائلة؛ ربة بيت حنونة، أمًّا لعدد من الأبناء الذين أصبحوا جزءًا من نسيج الأسرة الحاكمة، وجدةً تُرْعَىْ أحفادها بحنان يُذَكِّرُ بالأيام الأولى للمملكة. تزوجت من أحد أفراد الأسرة المالكة، وعاشت حياة هادئة تركز على الشؤون الاجتماعية والخيرية، بعيدًا عن الأضواء، مُفْضِلَةً الصلاة في المساجد والزيارات العائلية على الظهور الإعلامي. “كانت أميرة الهدوء، تُحْبُّ القراءة والحديث عن تاريخ والدها”، يقول أحد الأقارب في منشور على إكس، مشيرًا إلى أنها كانت تروي قصصًا عن “الملك سعود كرجل يبني دولة من الصحراء”.
لم يُكْشَفْ عن تفاصيل صحية دقيقة لرحيلها، لكن مصادر عائلية أشارت إلى أنها كانت تعاني من تقدم العمر منذ سنوات، وقضت أيامها الأخيرة في الرياض محاطةً بعائلتها. “إنا لله وإنا إليه راجعون”، جاء في بيان الديوان الملكي، الذي أعلن أن الصلاة عليها ستُقَامْ غدًا الجمعة الموافق 2/5/1447هـ، بعد صلاة العصر في جامع الإمام تركي بن عبد الله بالرياض، تليها الدفن في مقبرة العود. أُقِيمَ العزاء في القصر الملكي، بحضور أفراد الأسرة الحاكمة فقط، في جو يعكس تقاليد آل سعود في الخصوصية أمام الفقدان.
أثار الإعلان موجة تعازٍ واسعة عبر وسائل التواصل، حيث غرَّدَ حساب “تاريخ آل سعود” على إكس: “الصابرة العابدة الحامدة.. رحمها الله وأسكنها فسيح جناته”، مُضِيفًا صورًا نادرة لها في لقطات عائلية. ومن أقاربها، كتب الشيخ طلال بن عبد الرحمن الزهراني: “ببالغ الحزن والأسى نتقدم بخالص التعازي.. في وفاة الفقيدة صاحبة السمو الملكي الأميرة نوف”، مشيدًا بصبرها وإيمانها. حتى في الإعلام، نشرت صحيفة عكاظ: “عظم الله أجركم وحسن الله عزاكم”، مُذَكِّرَةً بأن نوف كانت جزءًا من الجيل الذي شهد تتويج والدها ملكًا عام 1953، وكانت شاهدة على تحولات المملكة من صحراء إلى قوة عالمية.
مع رحيلها، تُغْلَقُ صفحة أخرى من تاريخ آل سعود، لكن إرثَ نوف – في تربية جيل من الأمراء والأميرات – يبقى شاهِدًا على دور المرأة السعودية في بناء الأسرة الملكية. الله يرحمها ويغفر لها، ويجعل قبرها روضة من رياض الجنة، ويصبر أهلها وأحباءها في هذا المصاب الجلل.
التدوينة الأميرة نوف بنت سعود بن عبدالعزيز ويكيبيديا | من هي؟ ظهرت أولاً على المقال نيوز.