في أزقة اللاذقية الساحلية، حيث تختبئ ذكريات الدماء خلف أمواج المتوسط الهادئة، انقض الأمن السوري كالصقر على اللواء نائف صالح درغام، الرجل الذي كان يدرس أحكام الإعدام الميداني كدرس في الفتوى القاسية. كان درغام، النائب العام العسكري في عهد النظام السابق لبشار الأسد، يظن أن الزمن غفر له جرائمه، لكن صباح اليوم، تحولت حياته إلى كابوس من التحقيقات، مع إعلان وزارة الداخلية اعتقاله بتهم تتعلق بانتهاكات جسيمة بحق المدنيين، مذكرة السوريين بأن “المحاسبة” ليست شعارًا، بل سيفًا يقطع أعناق الظالمين بعد سنوات من الصمت. في خطوة تعزز من حملة “العدالة المتأخرة”، أحيل درغام إلى التحقيق، وسط مخاوف من أن يكون مجرد حلقة في سلسلة أطول من “الجزارين” الذين يسقطون واحدًا تلوَ الآخر.
من هو نائف درغام؟.. اللواء الذي “هندسَ” الإعدامات
نائف صالح درغام، اللواء السابق الذي يبلغ من العمر حوالي الستينيات، هو ابن النظام الأسديِّ الذي بنىَ عروشَهُ على الدماء. عُيِّنَ نائبًا عامًّا عسكريًّا في الجهاز القضائي العسكري، حيث كانَ يشرف على آليات الإعدامات الميدانية، تلكَ الجرائم التي أودتْ بحياة آلاف المدنيين والمعارضين تحت ذريعة “الإرهاب”. وُلِدَ في بيئة عسكرية سورية، تدرَّجَ في المناصب القضائية خلال عقود، ليصبحَ أحدَ أبرزِ الوجوهِ في “المحاكم الاستثنائية” التي أصدرَتْ أحكامَ إعدامٍ سريعةً دون محاكمات عادلة، كما وُصِفَ في تقارير منظمات حقوقية مثل “هيومن رايتس ووتش”. كانَ درغامَ رمزًا للقمعِ، يُدْرُسُ “القانون العسكري” كأداةٍ للانتقام، مُسَاهِمًا في جرائمِ حربٍ أودتْ بحياةِ عشراتِ الآلافِ، خاصَّةً في الساحلِ السوريِّ حيثَ كانَتْ اللاذقيةُ مركزَ عملياتِهِ.
لم يكنَ درغامَ مجرَّدَ قاضٍ؛ كانَ “مهندِسَ” الإعداماتِ الميدانيةِ، يُصْدِرُ أحكامًا في ساعاتٍ، مُسْتَنْدِدًا إلى “الاعترافاتِ تحتَ التعذيبِ”، كما أفادَ شهودُ عيانٍ في محاكماتِ لاهايَ المُقْبِلَةِ. بعدَ سقوطِ النظامِ في ديسمبرَ 2024، اختفَى درغامَ مؤقَّتًا، مُتَخَبِّئًا في اللاذقيةِ، ظانًَّا أنَّ الزَّمَنَ سَيَغْفِرُ لَهُ، لكِنَّ الأمنَ الداخليَّ الجَدِيدَ كَانَ يَرْصُدُهُ كَالصَّيْدِ.
سبب القبض: حملة “العدالة المتأخرة” تُسْقِطُ “الجزارين”
جاءَ القبضُ صَبَاحَ اليَوْمِ، في عَمْلِيَّةٍ أَمْنِيَّةٍ مُفَاجِئَةٍ بِمُحَافَظَةِ اللَّاذِقِيَّةِ، حَيْثُ أَعْلَنَتْ وَزَارَةُ الدَّاخِلِيَّةِ الْعَنْوَانِيَّةِ إِلْقَاءَ الْقَبْضِ عَلَى “الْمُجْرِمِ نَائِفِ دَرْغَامْ”، مُصْفِيَةً إِيَّاهُ بِـ”النَّائِبِ الْعَامِّ الْعَسْكَرِيِّ فِي سُورِيَا إِبَّانَ حُكْمِ النِّظَامِ الْبَائِدِ”. كَانَتْ الْعَمْلِيَّةُ جُزْءًا مِنْ حَمْلَةٍ أَكْبَرَ لِمُحَاسَبَةِ رُمُوزِ النِّظَامِ الْقَدِيمِ، بَعْدَ اعْتِقَالِ الْلَّوَاءِ أَكْرَمْ سُلُومْ الْعَبْدَ اللَّهِ بِتُهَمِ مُشَابِهَةٍ فِي سِجْنِ صَيْدْنَايَا، حَيْثُ أَشْرَفَ عَلَى “غُرَفِ الْمَوْتِ”. أُحِيلَ دَرْغَامُ إِلَى الْتَّحْقِيقِ فَوْرًا، وَوَصَفَتْهُ الْوَزَارَةُ بِـ”الْمُسْتَهْدَفِ بِتُهَمِ انْتِهَاكَاتٍ جَسِيمَةٍ بَحْقِّ الْمَدَنِيِّينَ وَفَسَادٍ”، مُشِيرَةً إِلَى أَنَّهُ كَانَ “أَحَدَ الْمَسْؤُولِينَ الرَّئِيسِيِّينَ عَنْ أَحْكَامِ الْإِعْدَامِ الْمَيْدَانِيِّ”.
التهم الموجهة: “انتهاكات جسيمة” و”إعدامات ميدانية” تغرقه في الدماء
الْتُهَمُ الْمُوَجَّهَةُ إِلَى دَرْغَامِ تَشْمَلُ “انْتِهَاكَاتٍ جَسِيمَةٍ بَحْقِّ الْمَدَنِيِّينَ”، بَيْنَ مَا فِيهَا الْإِشْرَافُ عَلَى إِعْدَامَاتٍ مَيْدَانِيَّةٍ أَوْدَتْ بِحَيَاةِ مَئَاتِ الْمُعَارِضِينَ وَالْمُدَنِيِّينَ دُونَ مُحَاكَمَاتٍ عَادِلَةٍ، وَالْفَسَادُ فِي الْجِهَازِ الْقَضَائِيِّ الْعَسْكَرِيِّ. وَصَفَتْهُ مَنَاطِقُ الْحُقُوقِ الْإِنْسَانِيَّةِ بِـ”الْجَزَّارِ”، مُشِيرَةً إِلَى دَوْرِهِ فِي قَمْعِ الْثَّوْرَةِ مُنْذُ 2011، وَالْإِشْرَافِ عَلَى “غُرَفِ الْاعْتِرَافَاتِ” الْتِي أَنْتَجَتْ أَحْكَامًا مُسْتَنْدَةً إِلَى تَعْذِيبٍ. فِي بَيَانِهَا، أَكَّدَتْ وَزَارَةُ الْدَّاخِلِيَّةِ أَنَّ “الْعَمْلِيَّةَ جَرَتْ بِنَجَاحٍ وَدَقَّةٍ”، وَأَنَّ دَرْغَامَ سَيُوَاجِهُ مَحْكَمَةً تَتَعْلَمُ مَعْلُومَاتِهِ عَنْ “جَرَائِمِ النِّظَامِ الْبَائِدِ”.
أَثَارَ الْقَبْضُ مَوْجَةَ تَعَاطُفٍ وَغَضَبٍ عَلَى وَسَائِلِ الْتَّوَاصُلِ، حَيْثُ غَرَّدَ نَاشِطُونَ: “أَخِيرًا، يَسْقُطُ وَاحِدٌ مِنْ جُزَّارِ الْأَسْدْ.. عَدَالَةٌ مُتَأَخِّرَةٌ لِكُلِّ شَهِيدْ!”، بَيْنَ مَا فِيهِ شَكُوكٌ فِي “مَصِيرِهِ الْحَقِيقِيِّ”. فِي سُورِيَا الْجَدِيدَةِ، يُعَدُّ اعْتِقَالُ دَرْغَامِ دَلِيلًا عَلَى أَنَّ “الْمُحَاسَبَةَ” بَدَأَتْ، لَكِنَّ الْأَسْئِلَةَ تَبْقَى: مَنْ تَالِيهُ؟ وَهَلْ سَيَكْشِفُ أَسْرَارَ الْإِعْدَامَاتِ؟ اللَّاذِقِيَّةُ تَرْصُدُ، وَالْعَالَمُ يَشْهَدُ.. الْعَدَالَةُ لَمْ تَمُتْ، بَلْ وَحَدَهَا تَبْدَأُ.
التدوينة من هو نايف درغام.. سبب القبض عليه والتهم الموجهة إليه ظهرت أولاً على المقال نيوز.