في زمنٍ تصنع فيه الصورة الخبر وتغذّي الخوارزميات الخيال، خرج اسم جيسيكا رادكليف من العدم ليصبح أشهر من نار على علم. كانت القصة تبدو كأنها مقتطعة من فيلم وثائقي مأساوي: مدرّبة حيتان أمريكية، في الثامنة والثلاثين من عمرها، تتعرّض لهجومٍ مروّع من حوت أوركا يدعى “ميلو” خلال عرضٍ حيّ أمام الجمهور في حديقة مائية بموسكو. انتشر الفيديو بسرعة مذهلة، تداوله الملايين على “يوتيوب” و”تيك توك” و”إنستغرام”، مرفقًا بعناوين مأساوية عن “اللحظة التي صدمت العالم”. لكن بعد أيام قليلة، انكشف المستور: لا وجود لجيسيكا رادكليف، ولا لحوتٍ يُدعى ميلو، ولا حتى للحادثة برمّتها. كانت القصة كلها نتاج خيالٍ صناعيٍّ فائق، وفيديو مُولّد بالذكاء الاصطناعي لخداع الجماهير وحصد المشاهدات.
فمن هي جيسيكا رادكليف ويكيبيديا وما حقيقتها؟
بدأت الخدعة من مقطع مصوّر قصير يُظهر امرأة تسبح إلى جوار حوت أوركا، ثم هجوم مفاجئ يبتلعها في دوامة من المياه والدماء. جودة المشهد العالية وصراخ الجمهور في الخلفية جعلا القصة أقرب إلى التوثيق الحقيقي، فاندفعت صفحات إخبارية عربية وغربية لتغطيتها دون تدقيق، قبل أن يتبين أن الفيديو مجرد عمل مُفبرك باستخدام أدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي. لم يُعثر على أي سجل رسمي باسم جيسيكا رادكليف في سجلات مدربي الأحياء البحرية، كما لم تُسجل أي حادثة مماثلة في موسكو أو أي حديقة مائية أخرى، بحسب ما أكدته مواقع التحقيق “إحاطة” و”العين” و”العربي الجديد”.
المفاجأة أن الخدعة لم تُخلق من فراغ، بل استلهمت تفاصيلها من واقعة حقيقية تعود إلى عام 2010 حين توفيت مدرّبة حيتان في عرضٍ بمنتزه “سي وورلد” في سيول، لكن صُنّاع القصة الجديدة ضخّموا الحدث باستخدام صور ومقاطع مأخوذة من مصادر مختلفة، مع دمجها بتقنيات الذكاء الاصطناعي التي تولّد المشاهد والحركات بدقة مخيفة. وهكذا وُلدت جيسيكا رادكليف من رحم الخداع الإلكتروني لتصبح رمزًا لوهمٍ جماهيري صدّقه الملايين.
انتشرت القصة كالنار في الهشيم، وأثارت نقاشات واسعة حول أخلاقيات استخدام التكنولوجيا في صناعة الأخبار الزائفة، خصوصًا مع صعوبة التمييز بين الحقيقة والوهم في زمن “الفيديو المصنوع”. كما دفعت شركات التواصل إلى مراجعة أدواتها لمكافحة المحتوى المفبرك، في وقتٍ تصاعد فيه الجدل حول مسؤولية المستخدمين عن إعادة النشر دون تحقق.
في النهاية، لم تكن جيسيكا رادكليف سوى ظلٍ رقميٍّ أطلّ من شاشةٍ مضللة، ليُذكّر العالم بأن الذكاء الاصطناعي قادر على صناعة الكذب بنفس إتقان الحقيقة. لقد هزّت قصتها العالم لثلاثة أيام، قبل أن تنهار كفقاعةٍ من بيانات، تاركة وراءها درسًا أخلاقيًا قاسيًا: في عصر الذكاء الاصطناعي، لا شيء يبدو حقيقيًا إلا بعد أن يُثبت العكس.
(المصادر: يوتيوب، إحاطة، العين، العربي الجديد، اليوم السابع، موساييك أف أم)
التدوينة جيسيكا رادكليف ويكيبيديا || من هي؟ ظهرت أولاً على المقال نيوز.