في صباح الثلاثاء الحادي عشر من جمادى الآخرة 1447هـ، الموافق الثاني من ديسمبر 2025، جاء النبأ الذي ثقل على القلوب قبل الآذان: رحيل معالي الدكتور محمد بن علي العقلا، أحد أبرز الوجوه العلمية والأكاديمية في السعودية، ورجلٌ جمع بين العلم والعمل، وبين المسؤولية والإنسانية، في مسيرة امتدت لعقود، واتسمت بالتأثير الهادئ والعطاء الذي لا يُحصى.
رحل الرجل الذي تولّى إدارة الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، سبقتها مسيرة طويلة في جامعة أم القرى؛ من رئاسة قسم الاقتصاد الإسلامي، إلى عمادة كلية الشريعة والدراسات الإسلامية، ثم وكالة الجامعة للدراسات العليا والبحث العلمي. كل منصب شغله كان امتدادًا لشخصيته العملية، وترجمته لعلم واسع وتجربة راسخة جعلته حاضرًا في أكاديميا المملكة وفي تطوير مؤسساتها.
عرفه طلابه وزملاؤه كمسؤول يزن الأمور بميزان العالم، ويقترب من الناس بروح الإنسان. كان باب مكتبه مفتوحًا، وباب قلبه أوسع، لا يرد محتاجًا ولا يتأخر عن خدمة أحد، سواء عرفه أو لم يعرفه. هذه السيرة لم تأتِ من فراغ؛ فقد نشأ في بيتٍ عُرف بالعلم والاستقامة والخلق الرفيع. والده، الشيخ علي العقلا رحمه الله، ترك إرثًا من الحكمة والتربية الصالحة، وهو الإرث نفسه الذي ورثه أبناؤه: فراج وعبدالعزيز — رحمهما الله — ثم الأستاذ عبدالرحمن، أطال الله عمره.
في كل مكان حلّ فيه أبو طارق ترك أثرًا واضحًا، سواء في جامعة أم القرى أو في الجامعة الإسلامية، أو في اللجان والمجالس التي عُرف فيها بحسن التدبير والهدوء والتفاني. يجمع المقربون منه على صفات ندر اجتماعها: صبر على الشدائد، وسخاء بالوقت والجهد والجاه، وولاء راسخ لوطنه وقيادته، وروح مرحة تخفف أثقال الآخرين، إضافة إلى حسن التربية التي انعكست واضحًا على أبنائه وبناته: طارق وعلي وعقيل وعبدالله، وكل من نشأ في كنفه.
ورغم ما كُتب وقيل عنه في حياته، يبقى أثره الحقيقي محفوظًا في صدور كل من عرفه، وفي المؤسسات التي ترك فيها بصمة يصعب تكرارها. رحيله ليس خسارة شخصية لأسرته ومحبيه فحسب، بل خسارة للوسط الأكاديمي والوطني الذي عهد فيه نموذج المسؤول الذي يعمل بصمت ويؤثر بعمق.
رحم الله الدكتور محمد العقلا، وغفر له، وجزاه بما قدّم وأفاد، وجبر قلوب أبنائه وذويه ومحبيه، وجعل ما خلّفه من علم وعملٍ صالحٍ نورًا يمتد أثره بعد رحيله.
التدوينة تفاصيل وفاة الدكتور محمد العقلا – من هو محمد بن علي العقلا ظهرت أولاً على المقال نيوز.
