رحيل شوقي قدّاس… وداعًا لمدافع شرس عن الحقوق الرقمية في تونس
شوقي قداس ويكيبيديا Chawki Gaddes
ودّعت الساحة الحقوقية والقانونية في تونس، يوم الجمعة 4 يوليو/تموز 2025، أحد أبرز رموزها، بوفاة شوقي قدّاس، الرئيس السابق للهيئة الوطنية لحماية المعطيات الشخصية، بعد صراع مع المرض، عن عمر ناهز 63 عامًا.
وسيشيّع جثمان الفقيد يوم السبت، بعد صلاة العصر، حيث ينطلق موكب الدفن من منزله الكائن برياض الأندلس، إلى مثواه الأخير في مقبرة مدينة سليمان.
رجل دولة من طراز مختلف
شوقي قداس لم يكن مجرد أستاذ جامعي أو مسؤول إداري، بل مثّل طوال مسيرته مرجعًا في مجال حماية المعطيات الشخصية والحقوق الرقمية، وساهم بشكل جوهري في ترسيخ هذه المفاهيم داخل الثقافة القانونية والسياسية في تونس.
تولى رئاسة الهيئة الوطنية لحماية المعطيات الشخصية (INPDP) بين 2015 و2023، وقاد خلالها معارك شرسة في وجه الانتهاكات التي طالت الحياة الخاصة للمواطنين، وأسس لرؤية قانونية متكاملة قوامها حماية الحقوق الفردية في العصر الرقمي.
كما تولى رئاسة الجمعية الفرانكفونية لحماة المعطيات الشخصية (AFAPDP)، ما بين 2019 و2023، وكان يُعرف بمواقفه الصلبة في الدفاع عن الحق في الخصوصية، والتصدي لتغوّل الرقابة الإلكترونية.
من مدرجات الجامعة إلى طاولة التشريعات
قبل أن يشتهر اسمه في الأوساط الحقوقية، كان شوقي قدّاس أستاذًا للقانون العام في كلية العلوم القانونية والسياسية والاجتماعية بتونس، منذ عام 1988. وإلى جانب نشاطه الأكاديمي، شغل منصب كاتب عام الجمعية التونسية للقانون الدستوري، وأسهم بفاعلية في صياغة دستور 2014.
كما اضطلع بأدوار محورية خلال المرحلة الانتقالية ما بعد الثورة، من بينها عضويته في هيئة التحقيق في وقائع الثورة، وتنسيق بعثات دولية لمراقبة الانتخابات، والمشاركة في إعداد مشروع قانون اللامركزية وقانون الانتخابات البلدية.
صوت العقل الحقوقي
برحيله، تفقد تونس أحد أبرز الوجوه الحقوقية التي نذرت حياتها لقضايا الشفافية، والمساءلة، وبناء دولة القانون. عرفه أصدقاؤه بأنه “وطنيّ ابن المرفق العام والمجتمع المدني، أستاذ جامعي ومدافع عن حقوق الإنسان”، كما وصف نفسه على صفحته الرسمية.
عُرف قداس بمداخلاته الجريئة ومقالاته المؤثرة، ولم يتردّد يوماً في الاصطفاف إلى جانب الحريات الفردية، حتى في أحلك الظروف السياسية. ولم يكن دفاعه عن المعطيات الشخصية مجرد موقف مؤسساتي، بل قناعة مترسّخة عبّر عنها مراراً: “الحق في الحياة الخاصة ليس رفاهًا، بل ضمانة أساسية للحرية”.
خسارة وطنية يصعب تعويضها
فور إعلان نبأ وفاته، توالت رسائل النعي والتأبين من شخصيات سياسية وأكاديمية ومنظمات حقوقية، أبرزها الأورومتوسطية للحقوق التي اعتبرته “صديقًا وشريكًا ملتزمًا في الدفاع عن الحريات”.
ووصفه بعض أصدقائه بأنه “الأستاذ الذي لم يغادر موقعه في خندق الكرامة الإنسانية”، فيما كتب أحدهم: “ها أنت أغلقت الباب وراءك… في وجهنا… وذهبت. ذهبت عن الحياة وعن البلاد التي تحب، لكنك لم تغب عنها”.
سيرة حافلة بالإنجازات
ولد شوقي قدّاس عام 1962، وتلقى تعليمه الأساسي في بنزرت وأريانة، ثم واصل دراسته الثانوية في المدرسة الصادقية، قبل أن يتحصل على بكالوريا الآداب عام 1980. نال درجة الإجازة في القانون العام من كلية الحقوق بتونس، ثم دبلومات متقدمة في القانون الدستوري من الأكاديمية الدولية، ليبدأ مسيرته الجامعية والمهنية عام 1988.
شغل مناصب محورية في الدولة التونسية، لكنه ظلّ وفيًا لمبادئه، مدافعًا عن الدولة العادلة، ورافضًا لكل أشكال الاستبداد الرقمي أو القانوني.
رحل شوقي قداس… وبقيت البصمة
رحل من شكّل صوتًا مدويًا في زمن الصمت، ورمزًا لحقوق الفرد في وجه منظومات التغوّل. سيظل اسمه محفورًا في الذاكرة القانونية والحقوقية، ليس فقط لأنه صاغ تشريعات، بل لأنه ناضل من أجل أن تحترمها الدولة.
رحمه الله وأسكنه فسيح جناته.
ظهرت المقالة شوقي قداس ويكيبيديا Chawki Gaddes wikipedia أولاً على أحداث العرب.
