في زمنٍ تطغى فيه الضوضاء على الحقيقة وتضيع فيه الموازين، يسطع اسم الشيخ زيد محمد ابو علي كواحد من الرموز الذين لم تغيرهم التحولات السياسية، ولم تنل من مواقفهم رياح التبدلات، بل ظل ثابتًا على نهجه، متمسكًا بجذوره الجمهورية، مخلصًا لقيمه ومبادئه حتى الرمق الأخير.
ظهر الشيخ أبو علي مؤخرًا عبر برنامج “حصاد السنين” على قناة السعيدة، وكانت كلماته الأخيرة في تلك المقابلة بمثابة تأريخ صريح لمسيرة عائلية طويلة من الانتماء للجمهورية، حيث أعاد التذكير بموقف والده الشهيد في معركة كسر حصار السبعين، ذلك الموقف الذي أسس لمسيرة التزام عائلي لم تتغير بوصلته منذ عقود، فحمل الابن راية الأب ومضى بها، يقف حيث تقف الدولة، ويصمد حيث تهتز المواقف.
الشيخ زيد محمد ابو علي: رجل البرلمان والصوت المعتدل
لم يكن الشيخ زيد مجرد نائب برلماني عن مديرية الطويلة بمحافظة المحويت، بل كان أحد أبرز وجوه اللجنة العامة في حزب المؤتمر الشعبي العام، ويمثل نموذجًا نادرًا في الوسط السياسي اليمني؛ فهو رجل القبيلة الذي لم يغب عن مشهد الوساطة وحل النزاعات، وهو السياسي الذي حافظ على لغة التوازن والعقل، وخطاب الحوار تحت قبة البرلمان.
عُرف عنه أنه رجل صلح، نجح في نزع فتيل كثير من النزاعات في أنحاء مختلفة من اليمن، ولم يتخلَّ يومًا عن مناداته المستمرة بالحوار، والوحدة، واحترام القانون، في زمنٍ كان فيه مثل هذا الخطاب يُعد ضربًا من المثالية. ومع ذلك، ظل ثابتًا، لا تستهويه الضوضاء ولا تنال منه المواقف المتقلبة.
ثباتٌ في وجه العاصفة
في أغسطس 2017، وخلال التحضير لفعالية حزب المؤتمر الشعبي العام في صنعاء، تعرض الشيخ زيد لمحاولة منع من دخول العاصمة من قبل جماعة الحوثي، وتم احتجازه مؤقتًا، لكن الموقف لم يثنه، فبعد شهور قليلة، كانت محافظة المحويت – مسقط رأسه – من أولى المحافظات التي انتفضت ضد سيطرة الجماعة، في سياق انتفاضة ديسمبر الشهيرة.
في تلك اللحظات الحاسمة، لم يتردد، لم يناور، ولم يساوم. ظل حيث اعتاد أن يكون، واقفًا في وجه الكهنوت، مدافعًا عن مبادئ الجمهورية التي آمن بها، في انسجام تام مع مسيرته الطويلة.
الشيخ زيد ابو علي الرجل والرمز
ارتبط الشيخ زيد أبو علي بمشروع الدولة الذي قاده الزعيم علي عبدالله صالح، وكان من المقرّبين منه، وعاش تجربة المؤتمر منذ تأسيسه، ورافقها في صعودها وانكساراتها، دون أن ينفصل عن مبادئها الأولى. ومع رحيله، في السابع عشر من يوليو 2025، تزامن غيابه مع ذكرى صعود صالح إلى الحكم، وكأنها مصادفة رمزية تلخص حياة رجل ظل وفيًا لخط الجمهورية حتى النهاية.
وداعٌ يليق بالرجال الكبار
حين ودّعت اليمن الشيخ زيد، لم يكن الحزن فقط على شخصية عامة، بل على نموذج يندر تكراره؛ رجل بقي شوكة الميزان في وقتٍ اختلت فيه الموازين، وصوت حق في زمنٍ ارتفع فيه الضجيج وغابت الحقيقة. حضرت مشاعر الوجع في صلاة الوداع، في مواكب التشييع، وفي كل كلمة عزاء، لأن الفقد هذه المرة كان مختلفًا، أكبر من أن يُختصر في نعي، أو أن يُحتوى في مشهد جنائزي.
ليس وحده.. بل أحد رموز جيلٍ رحل
حديث الوفاء لا يخص الشيخ زيد أبو علي وحده، بل يمتد إلى قافلة من رجالات المؤتمر الشعبي العام الذين مضوا على ذات الدرب، رجال بحجم ياسر العواضي، وناجي جمعان الجدري، والشيخ عارف الزوكا، والزعيم صالح نفسه. جميعهم اجتمعوا على معادلة نادرة في السياسة اليمنية: أن تكون قبليًا وسياسيًا ووطنيًا في آنٍ معًا، وأن توفق بين المروءة والانضباط، بين الولاء للقبيلة والانتماء للدولة.
وبرحيل الشيخ زيد، تغيب قامة أخرى من ذلك الجيل الذي ظل، رغم كل الصخب، مصدر توازن وركيزة من ركائز الانتماء الوطني الحقيقي.
الشيخ زيد محمد ابو علي: سيرة لا تُنسى
قد لا نحتاج إلى صورة له لنتذكره، فقد ترك صورته في مواقفه، في وساطاته، في كلماته، وفي حضوره المتين في كل منعطف من منعطفات التاريخ اليمني الحديث. وسيرته، كما يبدو، ستظل باقية، ليس لأنها موثقة، بل لأنها صادقة.
ظهرت المقالة الشيخ زيد محمد ابو علي: سيرة رجل جمهوري عاش على المبادئ ورحل على ذات الطريق أولاً على أحداث العرب.