ليال عاصي الرحباني ويكيبيديا | وردةٌ انطفأت باكرًا في حياة فيروز. بين رحيل مفاجئ وذكريات مثقلة بالحنين، وجعٌ لم يبرأ منذ شتاء 1988.
كم من الحزن خبأته السيدة فيروز خلف صوتها الشفيف الذي يضمّد جراح الناس، ويغسل أرواحهم من شقاء العالم؟ ومن ذا الذي يواسيها في مصابها، وهي التي كانت العزاء للآخرين؟ ففي شتاء 1988، وبينما الحرب تنهش لبنان ودمشق القلب في بيروت، خطف الموت ابنتها ليال في عمر الورد، بعد عام ونصف فقط من رحيل رفيق عمرها وشريك صوتها، عاصي الرحباني.
فجأة، وبلا سابق إنذار، غابت ليال عن الحياة. ابنة التاسعة والعشرين، التي كانت الأقرب إلى أمها شبهًا ووجدانًا، توفيت إثر نزيف دماغي حاد، تمامًا كما توفي والدها قبلاً بالسبب ذاته، وكأن الألم ورث نفسه في جينات الرحابنة.
ليال عاصي الرحباني ويكيبيديا
ولدت ليال عام 1960، بعد زياد (1956) وهالي (1958). درست الفرنسية والعلاقات العامة في الجامعة الأميركية في بيروت، وعملت في إحدى الشركات العالمية. عُرفت بحضورها الهادئ وقلبها الرقيق، وظلت ملتصقة بوالدتها فيروز كما لم يفعل أحد.
تروي شقيقتها ريما تفاصيل الليلة الأخيرة التي جمعت العائلة، حين اجتمعوا جميعًا يشاهدون حفلاً لفيروز على التلفاز. تقول ريما:
“ليال كانت مُصرّة أن تعتني بهالي، رغم أن الدور كان عليّ. ودّعتهم ودخلت لأنام. في الصباح مررت بغرفتها، وجدتها نائمة كعادتها، لكن يدها كانت مثلجة. هرعت إلى الهاتف. وبعد محاولات الإسعاف، دخلت العناية الفائقة، لكنها فارقت الحياة بعد يومين.”
وجعٌ مضاعف… وريما تكشف المستور
لم تكن وفاة ليال خالية من الألم فقط، بل أُحيطت أيضًا بشائعات قاسية، كان أشدها قسوة تلك التي أطلقها عمّها منصور الرحباني، بحسب رواية ريما.
ففي منشور ناري نشرته بعد سنوات طويلة من الصمت، قالت ريما إن منصور كان أول من أعلن وفاتها للإذاعة وهي لا تزال حيّة في العناية المركزة، قبل أن يروّج لاحقًا شائعة وفاتها بسبب “أوفردوز”.
كتبت ريما:
“في صباح الثلاثاء، سمعت خبر وفاة ليال عبر إذاعة لبنان الحر. اتصلت بالإذاعة معمية بالغضب. قالوا إن المصدر هو عمي منصور. ابتلعت وجعي، ويوم الأربعاء ماتت ليال فعلاً.”
وأضافت: “عندما كانت ليال تصارع بين الحياة والموت، جاءت القبيلة الرحبانية مرعوبة خوفًا من الوراثة، لا من أجل ليال. كانوا يسألون الأطباء عن أنفسهم لا عنها.”
وشددت ريما على أن صمتها كان احترامًا للكبراء، لكنها لم تعد تحتمل تزوير الحقائق، خاصة أن البعض داخل العائلة بدأ يصدّق الأكاذيب التي صنعها، بحسب قولها.
رثاء أختٍ لا تزال تبحث عن الأخت
وفي ذكرى وفاتها، كتبت ريما كلمات لا تبكي فقط ليال، بل تبكي وجعًا يتوارى خلف الجدران منذ عقود:
“مش وحدي بكيت عليكِ… السما كمان.
مش وحدي زعلت عليكِ… الدني كمان.
الشجر، الطرقات، البحر… كلّن ودّعوكي، كلّن زعلوا عليكِ.
مش وحدي أنا بكيت، بس وحدي أنا بقيت… عم فتّش عليكِ.”
(27 كانون الثاني 1988).
ظهرت المقالة ليال عاصي الرحباني ويكيبيديا | وردةٌ انطفأت باكرًا في حياة فيروز أولاً على أحداث العرب.