في ذاكرة الاقتصاد الكويتي، تظل قصة جاسم المطوع علامة فارقة بين زمنين: زمن الازدهار الباذخ، وزمن الانهيار المدوي. الرجل الذي اعتُبر يومًا من أثرى أثرياء الكويت، وواحدًا من نجوم “سوق المناخ” الشهير، تحوّل إلى حديث الناس مجددًا، ولكن هذه المرة كوجه للحسرة والخذلان، لا للثراء والأبهة.
فارس مناخيّ بامتياز
في أواخر سبعينيات القرن الماضي، برز اسم جاسم المطوع بوصفه أحد أجرأ المتعاملين في “سوق المناخ”، ذلك السوق الموازي الذي شهد فورة غير مسبوقة في المضاربات والشيكات الآجلة، خارج نطاق الرقابة الرسمية. ازدهر المطوع في هذه البيئة، حيث كان يُضرب به المثل في حجم الصفقات وجرأة المغامرة، وبات من رموز “الثراء اللحظي” في الكويت.
قُدّرت ثروته في ذروتها بمئات الملايين من الدنانير، بينما ذهبت بعض الروايات إلى القول إنها بلغت مليارات الدولارات، مستندة إلى نمط حياته المترف، والذي قيل إنه شمل امتلاك يخوت وطائرات خاصة، ومزارع ومصانع وأسطول من سيارات الرولزرويس.
الانهيار الكبير: من ناطحات الذهب إلى أرض الفقر
عام 1982 كان نقطة التحول. فقاعة سوق المناخ انفجرت بقسوة، لتكشف عن فراغ كبير في أساسات الثروات المتضخمة. توقفت الشيكات الآجلة عن الدفع، وعجز المضاربون عن السداد، وسقط الجميع في حفرة الديون. كان جاسم المطوع في صدارة الخاسرين. لم تشفع له علاقاته، ولا حجم استثماراته، ولا اسمه المتداول في الوسط المالي. انتهت الإمبراطورية بضربة واحدة، وتحول الرجل من ملياردير إلى غارق في المطالبات المالية.
ما زاد من ألم المأساة هو امتداد تأثير الأزمة لسنوات لاحقة، حيث أصبح المطوع مثالًا حيًّا على زوال النعم وقلْب الأقدار.
500 دينار شهريًا من الشؤون الاجتماعية
ربما كانت أكثر اللحظات صدمة للرأي العام حين خرج جاسم المطوع بتصريح يقول فيه:
“لا أراضٍ ولا حسابات بنكية، أعيش مع أولادي على 500 دينار شهريًا من الشؤون الاجتماعية.”
تصريحٌ اختصر رحلة السقوط من أعلى سلم الثراء إلى أدنى مراتب الكفاف، وتحوّل إلى درسٍ قاسٍ في هشاشة الثروة إن لم يُؤمَّن لها عمق اقتصادي حقيقي، لا مجرد أوهام مضاربية.
مفارقات لا تُنسى
- جاسم المطوع، الذي كان يومًا ما يوقّع شيكات بالملايين دون غطاء حقيقي، أصبح مضطرًا لتقديم أوراق تثبت حاجته للمساعدات الحكومية.
- من صاحب طائرات ورجال أعمال يقفون في طوابير انتظاره، إلى مواطن ينتظر دوره في صندوق الزكاة.
- من رمزية سوق مالي انفجر طمعًا، إلى وجه إنساني لا يزال يعيش على ذكرى ما كان.
العبرة البليغة
قصة جاسم المطوع ليست مجرد حكاية إفلاس، بل درس أخلاقي ومالي واجتماعي في آنٍ واحد. في زمن تتقلب فيه الأسواق وتتشابه فيه صور الطمع، تظل حكاية هذا الرجل تنبيهًا بأن “لا شيء يدوم”، وأن الأمان لا يكون في تراكم الأموال، بل في الاتزان، والتخطيط، وربما في التواضع مع مجريات القدر.
“وتلك الأيام نداولها بين الناس”
سورة آل عمران – آية 140.
هذا هو جوهر القصة… من عاش في عُلو، قد يهبط فجأة، ومن ضاقت به الدنيا، قد يُفتح له باب لا يتوقعه.
ظهرت المقالة الملياردير جاسم المطوع ويكيبيديا أولاً على أحداث العرب.