في صباح الجمعة 8 أغسطس/آب 2025، أسدل الستار على مسيرة أحد أبرز أعلام التصوف في المغرب، بوفاة الشيخ جمال الدين القادري البودشيشي عن عمر ناهز 83 عامًا، تاركًا خلفه إرثًا روحيًا وفكريًا عميقًا، وإجماعًا بين مريديه على أنه الامتداد الطبيعي لخط والده الشيخ حمزة، الذي ترأس الزاوية لعقود.
النشأة والبدايات
وُلد جمال الدين عام 1942 في قرية مداغ بإقليم بركان شرق المملكة المغربية، حيث المقر الرئيسي للطريقة القادرية البودشيشية. نشأ في أجواء روحية خالصة داخل الزاوية، فحفظ القرآن الكريم وتلقى العلوم الشرعية على يد والده ومشايخ الطريقة، ليتشرب منذ طفولته أصول الذكر والسلوك الصوفي.
أكمل تعليمه الثانوي في مدرسة “مولاي إدريس” العريقة بمدينة فاس، قبل أن ينتقل إلى كلية الشريعة بالمدينة ذاتها، ويحصل على شهادة البكالوريوس في العلوم الإسلامية. ثم واصل دراساته العليا بـدار الحديث الحسنية في الرباط، حيث نال دبلوم الدراسات العليا في علوم الحديث، وأعقبها بأطروحة دكتوراه عام 2001 بعنوان “مؤسسة الزاوية بالمغرب بين الأصالة والمعاصرة”، وهي دراسة عكست رؤيته لتجديد العمل الصوفي دون المساس بجوهره.
المسار العملي والتربوي
بدأ جمال الدين حياته المهنية في قطاع التعليم، قبل أن يتولى مهمة الإشراف على الكتاتيب القرآنية وتوجيه المربين في إقليم بركان. لكن قلبه ظل معلقًا بالزاوية، ملازمًا والده الشيخ حمزة لعقود، مكتفيًا بالظهور النادر في المناسبات الكبرى، خصوصًا ليلة الاحتفال بالمولد النبوي، التي تستقطب آلاف المريدين من المغرب وخارجه.
خلافة والده وقيادة الزاوية
في 18 يناير/كانون الثاني 2017، وبعد رحيل والده عن عمر 95 عامًا، انتقلت مشيخة الطريقة إليه بموجب وصية مؤرخة عام 1990، نص فيها الشيخ حمزة على أن “الإذن في تلقين الذكر والدعوة إلى الله” يذهب إلى ابنه الأكبر جمال الدين، الذي “نشأ على الطهارة وتهيأ لأحوال الذكر السنية”.
تسلّم جمال الدين القيادة بهدوء، متجنبًا الظهور الإعلامي، بينما أوكل لابنه منير مهمة تمثيل الطريقة في المحافل واللقاءات الدولية. وخلال سنواته على رأس الزاوية، واصل ترسيخ نهجها القائم على الذكر، والمحبة، ونشر قيم التسامح، مستقطبًا مريدين من قارات عدة، بينهم شخصيات بارزة في الدولة والمجتمع.
ملامح الشخصية والإرث الروحي
عرف عن الشيخ جمال الدين زهده وتواضعه، ولغته المقتضبة المليئة بالحكمة. لم يسعَ للشهرة أو الجدل، بل كان حضوره مقترنًا بالسكينة التي يلمسها كل من اقترب منه. بالنسبة للمريدين، ظل هو “الامتداد الروحي” لوالده، حتى أن بعضهم كان يصفه بـ”هو هو”، في إشارة إلى تشابه حاله وحال الشيخ حمزة.
تحت قيادته، واصلت الزاوية القادرية البودشيشية مسارها كإحدى أكبر وأشهر الطرق الصوفية في المغرب والعالم، محافظة على جذورها الممتدة إلى الشيخ عبد القادر الجيلاني في القرن الخامس الهجري، مع الانفتاح على قضايا العصر وروح الحوار بين الثقافات.
ظهرت المقالة جمال الدين القادري البودشيشي ويكيبيديا (شيخ الطريقة القادرية البودشيشية) أولاً على أحداث العرب.
